للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام ابن قيم الجوزية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:

(... فلرسالته - صلى الله عليه وسلم - عمومان محفوظان لا يتطرق إليهما تخصيص: عموم بالنسبة إلى المرسل إليهم، وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه من بعث إليه في أصول الدين وفروعه، فرسالته كافية شافية عامة، لا تحوج إلى سواها، ولا يتم الإِيمان به إلَّا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا، فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته، ولا يخرج فرع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به. وقد توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلب جناحيه في السماء ألا ذكر للأمة منه علماً، وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي، وآداب الجماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب والركوب والنزول، والسفر والإِقامة، والصمت والكلام، والعزلة والخلطة والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووصف لهم العرش والكرسي، والملائكة والجن، والجنة والنار، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأى عين. وعرفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم وما جرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم وعرَّفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يُعرِّفْه نبيٌّ لأمة قبله ...

وكذلك عرفهم - صلى الله عليه وسلم - من أمور معايشهم ما لو علموه وعملوه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة، وبالجملة فجاءهم بخيري الدنيا والآخرة برمته ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها؟! ومن ظن ذلك فهو كمن ظن

<<  <   >  >>