للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التقديم في المتلعقات:

التقديم في المتعلقات إما أن يكون على الفعل نفسه، وإما أن يكون تقديم بعض المتعلقات على بعض، وكل واحد من الضربين لا يكون إلا لغرض، أما تقديم المتعلق على العامل، فإنه غالبا ما يكون للاختصاص تقول: زيدا أكرمت وأنت تعني أنك ما أكرمت إلا زيدًا، ومنه قوله -تعالى-: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ١، أي: نخصك بالعبادة، فلا نعبد غيرك ونخصك بالاستعانة فلا نستعين بسواك، وقوله -تعالى-: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ٢، قدم المفعول؛ لأنه أراد سبحانه إن كنتم تخصونه بالعبادة، فلا تتجه قلوبكم إلا إليه، ولا تنحني أصلابكم إلا في حضرته، وقوله -تعالى-: {لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} ٣، أي: تحشرون إلى الله لا إلى غيره، وهذا واضح كما ترى.

وقد تأتي الجملة في سياقين مختلفين، أو في سياق واحد، ويقدم فيها المتعلق مرة ويؤخر أخرى، ويكون وراء هذا التصرف مغزى جليل.

انظر إلى قوله -تعالى-: {ِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ٤، تأخر المتعلق على شبه الفعل في قوله: شهداء على الناس، وتقدم في قوله عليكم شهيدا، وذلك؛ لأن الغرض في الأولى إثبات شهادتهم على الأمم، وليس فيها معنى الاختصاص، وفي الثانية اختصاصهم بكون الرسول شهيدًا عليهم، وليس مجرد إثبات شهادته عليهم، وهكذا كان اختلاف ترتيب الكلمتين

في الموقعين مؤديا إلى هذا الفرق الجليل.

ومثله ما يقوله الزمخشري في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ


١ الفاتحة: ٥.
٢ البقرة: ١٧٢.
٣ آل عمران: ١٥٨.
٤ البقرة: ١٤٣.

<<  <   >  >>