للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا انقلبت الموازين واضطربت الأحوال فتجرع الأحرار العلقم الزئام وأصبحت حياتهم جحيمًا وضيمًا ومرارًا بسب سيادة العبيد والبغاة والطغاة الذين لا يرعون إلَّا ولا ذمة.

هؤلاء الأحرار هم أهل البيوت الصالحة الذين نهلوا التدين والأخلاق والقيم منذ نعومة أظافرهم وتربوا في جو ملئه الطهر والعفاف والشعور بالمسؤولية والركون إلى الآخرة، هؤلاء أصبحوا غرباء في مجتمعاتهم مستضعفين، إذا قالوا لا يصدقون وإذا شفعوا لا يشفعون، وهذه واللَّه حالة يشيب منها الولدان وتنفطر لها القلوب.

هي الأمور كما شاهدتها ... دول من سره زمن سائته أزمان

وتتجسد هذه المعانى النبوية في التصوير البديع الذي يصوره الحديث الشريف موضحًا عمق المأساة وضراوة الضيم وضنك العيش قبيل الساعة، وهذا واللَّه نراه ونعيشه بل نذوق مرَّة ونتجرع صابه في حياتنا الراهنة، ألا وهو رجحان كفة الرويبضة، والرويبضة جامعة للرجل الفاجر الفاسق التافه عديم الأخلاق والقيم والمروءة، الذي يعتلى ويبرز بين عشية وضحاها في غفلة عن أعين الناس وانتباههم، حيث يأتون به أسياده وأربابه ليجعلوا منه منقذًا بزعمهم، فيرفع الشعارات البراقة ويلقى الخطب الرنانة التي ظاهرها الشهد وباطنها السم الزعاف فيتكلم هذا الرويبضة في أمور الناس ويسودهم وبالتالي يجرهم إلى عواقب وخيمة وفقر مدقع وبؤس مقيم وديكتاتورية ما بعدها دكتاتورية واللَّه المستعان.

٦ - عن حذيقة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتَّى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع) (١).


(١) رواه الإمام أحمد في المسند: ٥/ ٣٨٩ والترمذي برقم: ٢٢١٠ والبيهقى في دلائل النبوة.

<<  <   >  >>