للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المراد وأتى بما يستجاد فتلاميذه بصفاقس أعلام وأيمة في الإسلام، وكان متخلقا بالإنصاف سمح بما عهد فيه من محمود الأوصاف» (١٤).

وكان لا يقتصر في تدريسه على أسلوب الإلقاء والتلقين، بل يستخدم الأسئلة عن المشاكل والقواعد في قالب قصصي مخترع لاختبار ذكاء الطلبة، ومعرفة ما هضموه من معلومات، وتروى له حكايات يرويها بعضهم إلى اليوم.

ولبث ببلده مقسما أوقاته بين التدريس والتأليف واحتراف التجارة لكسب قوته متجافيا عن الوظائف الرسمية إلى أن هاجر إلى القيروان في آخر حياته إذ توفي بها، وحمل جثمانه إلى صفاقس.

واختلف في تاريخ وفاته، ذكر أحمد بن أبي الضياف في الإتحاف ومحمد مخلوف في شجرة النور الزكيّة وأشار أحمد عبد السلام في أطروحته حول المؤرخين التونسيين أنه توفي في سنة ١٢٢٨/ ١٨١٣ م وهو التاريخ الذي ورد في المخلوط المشار إليه وفي ملحق الطبعة الحجرية وأثبته محمد محفوظ في تراجم المؤلفين مع شيء من الحذر إذ رآه إضافة لنص المؤلف فقال: «فلعل هذه الزيادة كتبت في الهامش فأضافها بعض النساخ إلى صلب الكتاب، وهذه الزيادة شديدة الإختصار مباينة لأسلوب الكتاب» (١٥).

ويرى نالينو (Nallino) أن هذا التاريخ قد يخالف الواقع إعتمادا على أحد فهارس مكتبة جامع الزيتونة، المسجل تحت عدد ٦٢٣٣ صفحة ٦٢ إذ جاء فيه نقلا عن الفرنسية: «توفي في سنة ١٢٢٨ حسب المؤرخ ابن أبي الضياف، أو في سنة ١٢٢٩ هـ ‍ حسب الباش مفتي الفراتي بصفاقس، وهو أحد تلاميذ المؤلف، وهذان التاريخان يخالفان الواقع لأن محمود مقديش لم يكمل تاريخه إلاّ في سنة ١٢٣٣ هـ ‍» (١٦). ويضيف نالينو أن مقديش تحدث فعلا عن محمود باشا الذي استمر حكمه إلى سنة ١٢٣٣ هـ ‍، ونقل كراتشكوفسكي خلاصة نالينو وأثبت أنه توفي بعد عام ١٢٣٣ هـ - ١٨١٨ م.

وتعليل نالينو لإسقاط سنة ١٢٢٨ كتاريخ لوفاة المؤلف ساقط من أساسه، وميله إلى سنة ١٢٣٣ في غير محله، فنالينو اعتمد في كل ذلك على ما جاء في آخر الباب الأول من المقالة الحادية عشرة عن محمود باشا حيث قيل في - النسخة المطبوعة - «وهو أمير عصرنا سنة ثلاثة وثلاثين ومائتين» (١٧) ولم يهتم هذا المستشرق بما جاء قبله عن حمودة باشا الذي قال عنه مقديش «فهو سلطان وقتنا أقر الله به أعيننا» (١٨) فهذا التكرار المنافي للمنطق يجعلنا نثبت أن الأخبار القليلة التي وردت عن محمود باشا تمثل زيادة عن الأصل من أحد النساخ، وتنبه لها أحمد عبد السلام ورآى أن سنة ١٢٣٣ تمثل تاريخ الإنتهاء من نسخ المخطوطة التي اعتمدتها الطبعة الحجرية فقال: «إن آخر الأحداث التي تعرض إليها


(١٤) الإتحاف ٧/ ٨٥.
(١٥) ٤/ ٣٦٢.
(١٦) Venezia ، المصدر السابق ص: ٥.
(١٧) ٢/ ٧٢.
(١٨) ٢/ ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>