للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أنّه دخان فاجتنبه تورّعا لما وقع فيه من اختلاف الأيمة، فلمّا رجع إلى والده عرّفه بما وقع له مع الشّيخ، وكان والده حسن الإعتقاد في أهل الخير سيما والشّيخ مجاور له مطّلع على أحواله، فقال له: يا بنيّ إذا ناولك مرّة أخرى فاقبل منه وافعل ما يأمرك به فلعلّ الله يفتح عليك، (فإنّ الشّيخ يشربه دخانا ظاهرا) (١٣٢) والله أعلم بما يكون عليه في باطن الأمر لأنّ أحوال الأولياء تخفى على أهل الظّاهر، فأثّر كلامه في قلبه تأثيرا عظيما ميلا للخير وطمعا في العلوم الموهوبة من الله كما قال القائل:

[الهزج]

رأيت العلم علمين ... موهوب ومكسوب (١٣٣)

ولا ينفع مكسوب ... إذا لم يك موهوب

كما لا تنفع الشّمس (١٣٤) ... وضوء العين مسلوب

فلمّا اجتمع بالشّيخ عبّاس مرّة أخرى وناوله الدّخان إنتهز (١٣٥) الفرصة لما رأى على آلة الشرب أثر ريق الشّيخ فالتقمه بهمّة ونيّة صالحة عملا بوصيّة والده، فلمّا شرب قال له الشّيخ: زد، فزاد، ثمّ قال له: زد، فزاد، وكرّرها (١٣٦) ثلاثا، ثمّ قال: فيه بركة، فقال الشّيخ: وفيه البركة وكرّرها ثلاثا، فمن ثمّ ظهرت منه ينابيع العلم بأمور خارقة للعادة فيما قصده ممّا هو بسبيله من علوم الفقه والأحكام والتّوثيق والفرائض وما يتبع ذلك من علوم الدّين حتّى فاق أهل العصر ممّن كدّ وتعب وكدح (١٣٧) أكثر منه أضعافا مضاعفة ببركة الإعتقاد في الشّيخ.

وكان - رحمه الله تعالى - امتحن بما امتحن به إخوانه الفقهاء - رحمة الله عليهم أجمعين -، أشخصهم الباشا (١٣٨) - عفا (١٣٩) الله عنه - من أوطانهم، وذلك أنّه


(١٣٢) في ط: «يشربه دخانا ظاهما».
(١٣٣) في بقية الأصول: «مكسوب وموهوب».
(١٣٤) في ب: «كما لا تنع عن الشمس»، وفي ت: «كما لا تنفع عين الشمس»، وفي ط: «كما لا تنفع عين الا».
(١٣٥) ساقطة من ط.
(١٣٦) في ط: «كررها الشيخ ثلاثا».
(١٣٧) في ط: «كرع».
(١٣٨) علي باشا الأول.
(١٣٩) في ش: «عفى».