للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العسر، فلمّا حلّ الأجل وطلب صاحب الحقّ حقّه وأحضر خصمه، قال له الشيخ القاضي: قد انقضى أجلك فاقض الحقّ الذي عليك، فإذا بالرجل الذي / عليه الحقّ إستلقى على الأرض كالميت، وقال: أشهد أن لا إلاه إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال: لمّا انقضى أجلي فما بقي لي غير النطق بالشّهادة مغالطا للشّيخ في قوله بحمله على أبعد محامله، وكان الرّجل صاحب قواعد في الكلام، وكان البلاء موكلا بالمنطق، فلم تمض أيام يسيرة إلاّ وقد انقضى أجل حياته فمات، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ولمّا قدم الأمير للقيروان وجاءه النّاس من الأوطان على ما كان الأمراء عليه في سالف الزّمان جاء الشيخ القاضي مع جماعة أهل البلد متطلّبا الخروج من القضاء، فجعل لقدومه تاريخا في بيتين مقتبسا آية من القرآن وهما:

[الرمل]

الهناء يا أمير المؤمنين (١٥٤) ... بقدوم لديار الصّالحين (١٥٥)

فابشروا قد جاء في تاريخكم ... {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} (١٥٦)

وذلك سنة إثنتين وسبعين ومائة وألف (١٥٧)، فسرّ الأمير بذلك وعجب به وأبى أن يقيله من القضاء فلم يزل بعد ذلك يردّد الطلب برفع اليد حتى آن الأوان وفرغ ما كتب له فطلب فأسعف بمطلوبه، وولّي منصب الفتوى مع أبيه، فقام به حق القيام كقيام أبيه من قبل، ولمّا مات والده انفرد بالفتوى، ولم يزل كذلك إلى أن حضرته منيّته شهيدا بالطّاعون سنة تسع وتسعين ومائة وألف (١٥٨).

وكان - رحمه الله - وجد ثلاثة أبيات لبعض الأدباء في استخراج المجهول وهي هذه:

[الطويل]

وهبت له ثلثا من العمر كاملا ... وربعا وسدسا ثمّ قام (١٥٩) فأعرضا /

فقال: قليل، قلت عندي زيادة ... فزدت إليه نصف سدس الذي مضى

فخلّف لي عشرين عاما أعيشها ... فكم كان أصل العمر إن كنت مفرضا؟


(١٥٤) علي باشا الأول.
(١٥٥) في الأصول: «بقدومكم إلى ديار».
(١٥٦) سورة الحجر: ٤٦.
(١٥٧) ١٧٥٨ - ١٧٥٩ م.
(١٥٨) ١٧٨٥ م.
(١٥٩) في ب: «قال».