للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمّا قلّ تعاطيه الغذاء نادى في حصّة من الليل فلبّيناه فقال: إئتوني الآن باللبن الحليب، ولم يكن الوقت أوان حليب، فاعتذرنا له بأنّ الحصّة قد تمكّنت من جوف الليل، والوقت ليس أوان حليب، فاصبر للصّبح نبحث لك عمّا طلبت، وأمّا الآن فلا ندري أين نذهب، فقال: لا بدّ من حضوره في هذه السّاعة، وألحّ في الطّلب حتى أزعجنا وأقلقنا، ففوّضنا الأمر لله وصبرنا لعدم الحيلة، والصّبر حيلة من لا حيلة له، فإذا بقارع يقرع الباب في جوف الليل فخرجنا فوجدنا بعض الأقارب وقد أهدى لنا شيئا من الحليب وقال: ناولوه للشّيخ، فناولناه إيّاه وشكرنا الله تعالى على هذه النّعمة أن أعطاه الله سؤله.

وذكر من حضر وفاته قال: إنّه عند خروج روحه - رحمه الله - غشيهم رائحة طيّبة لم يشكّوا فيها ولا طيب مع أحد من الحاضرين، وشاهدته بعد خروج روحه فوجدت جسده جلدا ملائما لعظم ليس فيه من اللحم شيء، وهو علامة على أنّ جسده لا يبلى. لأنّه من العلماء العاملين الذين ورد فيهم أنّ الأرض لا تأكل أجسادهم، وقد قالوا: إنّ الرّجل الصّالح يذهب دمه ولحمه في حياته فيبقى جسده على حاله بعد موته ولا يبلى وإن كان ذا لحم ودم كمن قتل ظلما بقوته ودمه ولحمه فتح الله / في جسده خرقا لطيفا تنصب منه المواد الموجبة للتّعفن حتّى تجفّ موادّه ويبقى جسده على حالة لا تغيّره الأرض.

وخرج من الدّنيا ولم يتبعه من جميع النّاس إلاّ حسن الثّناء، ولم يسمع من أحد تعرّض لجنابه بسوء ولو قلامة ظفر لأنّ الإنسان لا يخلو من ضدّ وحسود، ولكن الله سلّمه من طعن الطّاعنين وذلك مصداق قوله - عليه الصّلاة والسّلام -: «ازهد ما في أيدي النّاس يحبّك النّاس، وازهد في الدنيا يحبّك الله» (٤٥٨) أو كما قال - عليه الصّلاة والسّلام -.

توفّي - رحمه الله - بجمادى الأولى من سنة أربع ومائتين وألف (٤٥٩).


(٤٥٨) الحديث الوارد فيه تقديم «أزهد في الدنيا يحبك الله، الخ. . .»، رواه إبن ماجة في سننه والطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن سهل بن سعد الساعدي، وحسّنه الترمذي وتبعه النووي، وصحّحه الحاكم في المستدرك ورواه خالد بن عمر. قال فيه إبن حبان: خالد يروي عن الثّقات بالموضوعات، وقال إبن عدي: خالد وضع هذا الحديث، وقال العقيلي: لا أصل له، وقال البيهقي عقب إخراجه للحديث: خالد بن عمر ضعيف، أنظر فيض القدير ١/ ٤٨١.
(٤٥٩) ١٧٩٠ م. لعلي الأومي ترجمة في تراجم المؤلفين التونسيين ١/ ٧٧ / ٨٧ إعتمادا على ثبته المخطوط، والثّبت الذي أجازه به الشيخ عبد الله السوسي.