للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذا الموضع يظهر الكوكب المعروف بسهيل، وليس يظهر بتونس ولا ما قاربها، قيل وقد يظهر من جبل سهيل من أعمال مالقة، وبه سمي الجبل وإليه ينسب أبو القاسم السهيلي (٤٩) العالم. ثم قال (٥٠): وكان مسيرنا منذ فارقنا الجم في الزيتون القديم المتصل المعروف بزيتون الساحل وقد أذهب إفساد العرب أكثره، وغير بعد الاستواء أسطره، فكأنه كان مغروسا على «قالة» (٥١) معلومة، وأسطر متناسبة منظومة، فأبطل الإفساد أكثر ذلك، وعلى هذا الزيتون كان مدار غلات إفريقية في القديم، وقد روى أن (ابن أبي سرح) (٥٢) لما افتتح إفريقية، وقتل ملكها وجد أكثر أموالهم الذّهب والفضّة، فغنم منها ما ملأ أيدي جنده، وسألهم أنّى لكم هذا؟ فجعل أحدهم يلتمس شيئا في الأرض حتى أتاه بنواة (٥٣) زيتون فقال له: من هذا أصبنا هذه الأموال. قال الرشّاطي في كتابه المسمّى «باقتباس الأنوار»: إنما سمّي هذا الموضع الساحل وليس بساحل بحر لكثرة ما فيه من سواد الزيتون والشجر والكرم، ولما قتل عبد الله بن الزبير جرجيرا أصاب الروم الرعب فلجؤوا إلى الحصون والقلاع فاجتمع / أكثرهم بحصن الجم وطلبوا من عبد الله بن سعد بن أبي سرح أمير عساكر الإسلام أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطارا ذهبا على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم وقبض المال (٥٤).

وذكر (٥٥) بعض أهل هذا الحصن أنه مبني على سبعة أدوار من وسطه إلى خارجه، فالدّور الخارج أقواس متّصلة بعضها ببعض بين كل قوسين دعامة عدة أقواس السّفلى أربعة وستون، ثم الدّور الذي فوق هذا كذلك أربعة وستّون، ثم كذلك الثالث، فجملتها مائة واثنان وتسعون قوسا. قال: وهكذا الدّور الأدخل منه ثم الذي يليه، وهكذا إلى الوسط، فعلى هذا تكون أقواس السطر الخارج أكبر، وأقواس الدور الذي في الوسط ألطف، وفي جهة الغرب من هذا الحصن كان أصل المدينة، وهي إلى الآن


(٤٩) هو أبو القاسم عبد الرحمان بن عبد الله بن أحمد السهيلي صاحب كتاب «الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية» لابن هشام.
(٥٠) يعني التجاني، ويستمر النقل بتصرف.
(٥١) بالعامية الصفاقسية، وتعني هنا الفرجة أو المسافة، وفي الرحلة: «حالة».
(٥٢) في ت: «أن الأمير عبد الله بن أبي سرح رضي الله عنه».
(٥٣) كذا في ط ورحلة التجاني، وفي ت وش: «نواية».
(٥٤) رحلة التجاني ص: ٥٨.
(٥٥) تأليف خاص بالمؤلف، اعتمد فيه كما ذكر على أقوال أهل مدينة الجم، ولا ينطبق على الواقع الأثري لهذا الملعب.