للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمنعه، فاشتدّ به الحال حتّى كادت نفسه تزهق وهو يصبّره، ويعلّله، ويعده بالفرج، وأنّ الفرج مع الصبر، فقويت الحرارة الغريزية بحرارة الأبزار وتلطفت بالسكنجبير فانهزم عارض البرد الذي كان أصابه وأمرضه، فخرج العرق البارد بعد استكمال نضج الخلط، وخمد (٥٩٩) البحران، وانتشرت الحرارة، وانتعشت القوى، فانبسط الباشا، ولمّا ابتل دثاره غيّره الشّيخ، وجعل كلّما ابتل شيء من العرق غيره بثياب نظيفة طيبة برفق بحيث لا يدخل البرد إلى الجسد، فلم يزل به حتّى إنقطع العرق وانتشرت الحرارة الغريزية الطّبيعية على سطح الجسد، فجعل يخفّف عليه الغطاء شيئا فشيئا حتّى تأنّس بالهواء وصحّ الجسم وزالت العلّة، ففرح الباشا بذلك وقوي اعتقاده في الشّيخ من حيث أنّه وعده بالعافية وقد يسّر الله بها بلطف على يد الشّيخ ورفقه، فلمّا سافر لتونس صار يقول: رأيت وليّا بصفاقس، وعظم أمر الشّيخ عند أهل حضرته، ثمّ أرسل له رسولا بفرس وأمره بالقدوم عليه ويستصحب ولديه معه فأبى الشّيخ من ركوب الفرس وقال:

نفسي لا تساعدني على الرّكوب إلاّ على البعير، فأخذ بعيرا وجعل عليه محملا (٦٠٠) وجعل كلّ واحد من ولديه (٦٠١) في شقّ، وركب هو في الوسط / وسار فسبق الرّسول وأعلم الباشا بذلك فزاد اعتقاده، ثمّ قال للرّسول: أعرض (٦٠٢) له هذه الثّياب يتجمّل بها للقاء النّاس وعرّفه أنّي متلقّيه بأصحابي فأبى من لبسها وقال: يكفيني ما أنا عليه، فتلقّاه الباشا وفرح به، وأكرم نزله وأحسن مثواه، ولمّا جاء الليل فرشوا له من فروش الباشا شيئا نام عليه هو وإبنيه (٦٠٣)، وكانا صغيرين فاستيقظ الشّيخ فوجد أحدهما شخّ (٦٠٤) على الفراش، فارتاع الشّيخ وانتهر الولد وضربه فبكى، فسمع الباشا ببكائه فاستفهم عن بكائه، فاحتار الشّيخ في الجواب، فألحّوا عليه حتّى عرّفهم بالقضيّة، فإذا بقارع يقرع الباب فقال: يا سيدي هذا كنز وجدناه في مكان كذا، فما تأمر به؟ فضحك الباشا وقال: ما شاء الله ما ضرّنا هذا الشّخّاخ بل حصلت لنا به بركة،


(٥٩٩) في ط وت: «حمو».
(٦٠٠) ما يعرف بالعامية بالشّواري.
(٦٠١) في بقية الأصول: «أولاده».
(٦٠٢) في ش وب: «عرض».
(٦٠٣) في الأصول: «أبناؤه».
(٦٠٤) كذا في ش وب وط، وفي ت: «بال» وللكلمتين نفس المعنى وقد انقرضت لفظة «شخّ» من الإستعمال الدارج في صفاقس وبقيت مستعملة في بواديها.