للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير واضح الدّلالة يفهمه من لازمه، وزوّجه أهله فأبى، فعقدوا وزفّوا وبيّتوا معه الزّوجة فلم يلتفت إليها مع كثرة المراودة منها له، ثمّ رجعت إلى أهلها.

وكانت له إشارات، فمنها أنّ النّاس كانوا في أيام المرحوم سيدي حسين باي في غاية الأمن، ولا يغلق باب البلد (٦١٣) إلاّ قريب العشاء لانتظار أرباب الفلاحة والبساتين، فصار الشّيخ يأتي لصاحب الباب ويقول له: إلى العشاء يا كلاب (٦١٤) كالمتوعّد المنهر، فلم تمض أشهر قلائل إلاّ وقد وقعت فتنة مع الباشا - رحمهما الله - فصار البوّاب يغلق من المغرب.

ومن إشاراته ما حكاه معلّم الأطفال الفقيه سعيد أبو ريشة أنّه قال: كان يأتينا من السّحر إلى السّحر ويقرع بابنا ويقول: مال الباي (مال الباي) (٦١٥) بكلام غير واضح، فلم ندر مراده، فاستحدثنا بدارنا داموسا، فلمّا توسّطنا العمل فإذا بأزيار فخّار ملآنة بالرّيالات فأحضرنا قائد البلد فأرسل المال إلى الباي.

ومنها أنّه قال لأمّ محمّد السيالة: إن ابنك سيصير قائدا، فقالت: إن صدقت بنيت لك روضة، فكان ما قال، فبنت له روضة قرب الشّيخ الوحيشي / على قبره، وتوفّي سنة نيف وخمسين ومائة وألف (٦١٦).

[ترجمة الولي أبي الفوز سعيد حريز]

ومن مجاذيب أهل صفاقس ممّن أدركناهم الشّيخ أبو الفوز سيدي سعيد بن سعيد حريز، ذوا الكرامات المشهورة والإشارات المأثورة، أصل آبائه من بلد المحرس فانتقلوا لسكنى صفاقس، وبها ولد الشّيخ - رحمه الله تعالى -.

كان سيّدا نبيلا وحصورا جليلا، نشأ مجذوبا معقول اللّسان بعقدة طبيعة، من شاهده تحقّق أنّه من الله لا بتصنّع كما يفعله بعض الملبسين، وقد يتكلّم قليلا فينادي الرّجل: يا عم، والمرأة: يا حنّة، وقد ينادي: يا عيش (٦١٧) لأكثر النّساء (٦١٨) وإن لم يكن إسما لها، وقد ينطلق (٦١٩) لسانه بالأسحار وجوف الليل بالأسوار والخلوات فينطق


(٦١٣) يقصد باب الجبلي.
(٦١٤) في ت وط: «غلاب».
(٦١٥) ما بين القوسين ساقط من ت وط.
(٦١٦) بعد سنة ١٧٣٨ بقليل.
(٦١٧) لعلّه ترخيم عيشوشة (عائشة).
(٦١٨) في ط وب: «النسوان».
(٦١٩) في بقيّة الأصول: «ينطق».