للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

احياء السنّة إلا أئمتها، فجزاهم الله عنّا وعن المسلمين أحسن الجزاء، اللهم انفعنا بمحبّتهم واحشرنا يا ربّنا / في زمرتهم وأعد علينا من بركتهم (٨٦).

ولما اختلفت الأمراء وانتقلت الدّولة تسلط عليها أهل البغي والفساد من البرابر والبدو والشيع، فتوالت عليها الحوائج حتى بكت عليها العيون وقرحت القرائح لما صارت ملعبة لأهل الطغيان والفجور، فتسلطوا عليها بالتخريب والتثريب، فلم يبق بها (٨٧) من أصول أخيارها إلا النزر القليل مستضعفين، واستولت عليها أخلاط بغاة، أجهر الناس عصيانا، وأكثرهم طغيانا، وكذا شأن كل بلاد يضعف أخيارها، ويطغى فجارها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، قيل انها سترجع إلى ما كانت عليه وهيهات.

(أما عمارة الأسواق وسعة الأرزاق فهي - والحمد لله - قد تراجعت بعض تراجع. وأما العمارة وسعة البلاد فإلى الآن ما رجعت لأنه قيل أن المسجد الأعظم كان بها وسطا، وهو الآن في ركن من أركانها. وأما العلم فبعيد أن ترجع كما كانت، ولكن فضل الله واسع وليس لما يعطي الله مانع، وسيأتي ذكر شيء ممّا نالها من المحن فيكون كالشرح لما ذكر) (٨٨).

ومياه (٨٩) القيروان قليلة وشرب أهلها من فساقي بني الأغلب، فمنها الماجل الكبير، وهو من عجيب البناء لأنه مبني على تربيع، وفي وسطه بناء قائم كالصومعة، وذرع كل جهة / منه مائتا ذراع، فيمتلئ كله ماء إذا سالت الأودية.

والقيروان كانت مدينتين إحداهما اسمها القيروان، والثانية صبرة، (وهي في دولة صنهاجة الذين بنوها) (٩٠) كانت دار الملك، قيل كان فيها من أيام عمارتها ثلاثمائة حمّام، وأكثرها للديار وباقيها مبرز للناس قاطبة، وهي الآن خراب، ليس بها ساكن، وعلى ثلاثة أميال منها قصور رقادة الشاهقة الذري الحسنة البناء، الكثيرة البساتين والثمار، وبها كانت الأغالبة تربع في أيام دولتهم، وزمن بهجتهم، وهي الآن خراب لا ينتظر جبرها. (والقيروان لا يحتاج لوصفها بكثرة الحنطة والفلاحة لأنها مشهورة بذلك، وأما اللّحوم والعسل والسمن والزيت فأمر خارج عن الوصف، وثمارها من غيرها لأن الفتن لم


(٨٦) بعدها في ت «آمين يا رب العالمين».
(٨٧) ساقطة من ت.
(٨٨) اضافة من المؤلف عما هو موجود بنزهة المشتاق.
(٨٩) يرجع للنقل من الادريسي بتصرف ص: ١١٠.
(٩٠) توضيح من المؤلف.