للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصفته على ما حكى صاحب خريدة العجائب أنه مجلس مربع الطول (٣٢٩) في كل رأس منه ستة عشر سارية، وفي الجانبين المتطاولين سبع وستّون سارية، وفي الركن الشمالي منه اسطوانة عظيمة ورأسها عليها، وفي أسفلها قاعدة رخام في محيط تربيع ودورها ثمانون شبرا (٣٣٠) وطولها من القاعدة إلى رأسها تسع قامات (٣٣١)، والرأس محرم / بأحكم صنعة وأتقن وضع، ولا أخت لها ولا يعلم أحد من أهل الإسكندرية، ولا من أهل مصر، ما المراد بوضعها مفردة في مكانها، وهي الآن مائلة ميلا كثيرا، لكنها ثابة آمنة من السقوط أهـ‍ (٣٣٢).

(قلت: ولقد وقفت عليها سنة احدى ومائتين وألف فلم يبق لهذا المجلس أثر، وأن هذه الإسطوانة المفردة باقية، احتفر تحتها أصحاب الطّمع رجاء أن يجدوا تحتها بعض الكنوز، فلما لم يجدوا شيئا ردموا ما احتفروه، ولقد رأيت بأعلى الاسطوانة عودا منصوبا فيه قدر ذراع من قماش على صورة الرّاية، ولم نكن نعهده قبل ذلك من السنين، فسألت عنه فأخبرت أن بعض تجّار الإفرنج كان له مركبا مشحون (٣٣٣) فاجتمع مع بعض تجارهم، وجرى بينهما اختلاف (٣٣٤) في أنه هل يمكن الوصول إلى أعلى هذه الأسطوانة.

فقال صاحب المركب المشحون (٣٣٣) لا يمكن. فقال الآخر: يمكن. فقال له: إن طلعت إلى أعلاه، فلك مركبي بما فيه فأحضر جماعة، وأشهد عليه وذهبوا، فأخذ نشابا وربط به خيطا طويلا بحيث يصل إلى أعلى الأسطوانة، وينزل حتى يصل إلى الأرض، ومسك طرفه عنده ورمى به فوقع من الجهة الثانية، فربط بطرف الخيط حبلا وثيقا وجذب الخيط حتى وصل الحبل، فربطه بالأرض ربطا محكما من الجهتين، وطلع معه حتى / وصل، فوضع تلك الرّاية (٣٣٥) وأخذ المركب، فمات صاحب المركب أسفا. واليوم لم يبق بهذه المدينة إلا القليل، ولم يبق من الأشجار خارجها شيء، لم يبق إلا شيء قليل من شجر الكبر، بعد ما كانت في سالف (الأعصار) (٣٣٦) نزهة للناظرين (٣٣٧)، عامرة


(٣٢٩) كلمة لا توجد بالخريدة وتوجد بنزهة المشتاق.
(٣٣٠) بعدها أسقط المؤلف جملا تتعلق بالأقيسة، وفي خريدة العجائب نجد: «قاعدة من الرخام جرمها»، ونفهم من هنا أن المؤلف ينقل عن الادريسي لا عن خريدة العجائب.
(٣٣١) كذا في خريدة العجائب وفي الأصول، وفي ن. م.: «قيم»، والقامات ج قامة هو المناسب.
(٣٣٢) انتهى نقله من ن. م.
(٣٣٣) في الأصول: «مشحونة».
(٣٣٤) في ت: «خلاف».
(٣٣٥) في ت: «الراية هناك».
(٣٣٦) ما بين القوسين اضافة من المؤلف عما هو موجود بنزهة المشتاق.
(٣٣٧) يربط مع خريدة العجائب وينقل منها ص: ٢٥.