للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملكي، الرّوحاني العقلي الإنساني، ويسمّى هرمس الهرامسة، أي حكيم الحكماء المشهورة، فله ثلاث مناصب: نبوءة آدمية، وحكمة إلاهيّة، وسلطنة أرضية، وله تجرد ملكي وسياحة فلكية (٣٤)، عرج إلى الأفلاك، وشاهد أطوارها وأدوارها، غلبت روحانيته بشريته، فصار كثير الإنسلاخ عن البدن، وهو صاحب المعراج الملكي، خالط الملائكة الكرام، والأرواح المجرّدة، ولم يأكل، قيل لم يتم ستة عشر عاما حتى بقي عقلا / مجردا وروحانية في فلك الشمس، وهو وسط الأفلاك حسبما يرشد إليه علت كلمته بقوله: {وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا} (٣٥) تحته ثلاثة أفلاك، وفوقه مثلها، حسبما ذكره الشيخ الأكبر في الفصل الادريسي.

وادريس هو أوّل من كتب الكتب في أسرار الهياكل، وأدوار الأفلاك، وأطوار الأرواح المجرّدة، وأول من صنف كتاب «كنز الأسرار في علم الحروف» ولما صنّف الكتب الكثيرة، حرصا على تخليد علومه، أخذ جبريل أكثرها، فألقاه في البحر لحكمة الاهية، لما فيها من اظهار أسرار الرّبوبيّة التي اقتضت الحكمة اخفاءها عن العامة، فمن أراد أخذ تلك العلوم أخذها بالقوة العاقلة القليلة القدسيّة، مما بقي من كتبه، فإنها اقتبس (٣٦) منها أساطين الحكماء أحكام علوم الأفلاك، وأسرار الحروف، والخواص الفلكية والأرضية، ثم خلطت طوائف أرذال الحكماء من الدهريّة والطبيعيّة، زخارف الفلسفة بتلك العلوم، فيجب الاحتراز عن علومهم المزخرفة، فإنها لا تخفى على العقلاء، وإلاّ وقع الإنسان في سوء الاعتقاد كما وقع لابن سيناء والفارابي ومن تبعهم.

وهو - عليه السّلام - أول من خاط بالإبرة، واشتهر بالحرفة. ولما ظهر في زمنه عبادة أولاد قابيل لغير الله تعالى أرسله الله تعالى نبيئا بعد شيث، فزجر وأمر ونهى، وجاهد وسبى وهو أول من أرسل بالدعوة / القهريّة، فسن الجهاد والقتل والسّبي لمن كفر، واستخرج آلات القتال من السيف والسرج، وما يتوقف عليه الجهاد، واستنبط علوم الكتابة من الأوضاع الحرفية والأقلام. وهو أول من أسّس الهياكل، ومجّد الله فيها، وبنى الأهرام والمناير، وصور فيها جميع الصنائع والآلات، ورسم فيها العلوم، حرصا على تخليدها لمن بعده، لما تحقق وقوع الطوفان. ولما مضى من عمره ثلاثمائة سنة وستون


(٣٤) في ت: «وسياسة ملكية».
(٣٥) سورة مريم: ٥٧.
(٣٦) في ت: «استبين».