للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه المجادلات خاصة بأحداث سبقت صدى للآراء التقليدية المسلم بها عامة، ولا أن نرى فيها نتيجة لاختياره الشخصي» (٢٧).

ولا بد أن نستثني - في القسم التاريخي هذا - المعلومات الخاصة به التي أفادنا بها عن المدن الإفريقية، تونس والمهدية والقيروان، وسوسة، والجم، وجربة وصفاقس خاصة، وكذلك عن الجزائر والإسكندرية وطرابلس، وهذه المعلومات هامة ومفيدة وإن كانت مختصرة في بعض الأحيان، وتعطينا فكرة واضحة عن بعض الأحوال خلال القرن الثامن عشر، وفي محاولاته للمقارنة بين مصادره القديمة، ومعلوماته ومشاهداته، أعطى للتأثير الزمني حقه، فمثلا لما عقد كلامه عن الإسكندرية ومعالمها كالمجلس الذي بجنوبها، والاسطوانة المفردة الكائنة في الركن الشمالي من هذا المجلس قال تصحيحا للإدريسي الذي نقل عنه «ولقد وقفت عليها سنة إحدى ومائتين وألف، فلم يبق من هذا المجلس أثر، وإن هذه الإسطوانة المفردة نحتها أصحاب الطمع رجاء أن يجدوا تحتها بعض الكنوز، فلما لم يجدوا شيئا ردموا ما احتفروه» (٢٨). وبرأ أهل جربة من الأقوال المشينة التي وردت في نزهة المشتاق «والصفحات التي يتحدث فيها عن جربة تمثل مدخلا ممتازا لدراسة انتشار المالكية داخل هذه الجزيرة، وحركتها المفوقة ضد نظام الخوارج بها بفضل دعم المراديين لها» (٢٩).

وتصحيح المؤلف لمصادره واكمال معلوماته فيما يتعلق ببعض المدن، المدن التي تعرف عليها مباشرة وألفها، فيه خطر، فاكتفاؤه بالنسبة للمدن الأخرى بنقل الإدريسي وغيره نقلا حرفيا دون أن يعطي لتأثير الزمن حقه فيها كما أعطاه لغيرها قد يوهم القارئ أن الحالة بقيت في عصره على ما كانت عليه في الماضي.

ولا بد أن نشير إلى خطر آخر تنبيها للقارئ، فالمؤلف - كما أشرنا - له ميوله الدينية والسياسية، والثانية امتدادا للأولى، فهو سنيّ راسخ العقيدة، فاختار ما يلائم هذا الإتجاه، وصنف كتابه على أساسه، فهو يتحيز للإسلام في معاركه ضد الكفار، والنرمان، فأسقط من نزهة المشتاق جل ما يتعلق باحتلال النرمان لبلاد الإسلام، ومالطة التي يرفق ذكرها بدعائه عليها «دمرها الله»، والصليبيين في الشرق، ويأخذ كذلك موقفا مماثلا تجاه الحركات المضادة للحكومات التي يراها شرعية، ومنها حركة أبي يزيد الخارجي، والحركة الشيعية الفاطمية، وحركة التتر، وفي آخر المطاف يتشيع للدولة العثمانية التي يرى فيها منقذ بلاده «من أهل الكفر والضلال»، فيمجد رجالها وأعمالها، كما يتشيع لعلي باشا الأول ويشيد بالجزائر العثمانية في بعض أوقاتها، ويغض الطرف عن تدخلاتها الحربية في تونس، وإن قبلنا تشيعه كرجل مؤمن مساير لتقاليد عصره فمن المتأكد علينا، إن بقينا في حيز التاريخ، أن نعتبر موقفه هذا من الأحداث موقف المتحذر.


(٢٧) نفس المرجع ص: ٢٨٣.
(٢٨) النزهة ص: ١٤٨.
(٢٩) أحمد عبد السّلام، المصدر السابق، ص: ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>