للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفتح - فتحصن بها الروم، فمضى وتركهم، وبلغ الكاهنة أمره فزحفت من جبل أوراس في عدة لا يعلمها إلاّ الله تعالى، فنزلت بمدينة باغاي (١٧٣) فأخرجت من بها وهدّمتها لظنها أن حسّانا يريد حصنا يتحصن به، ثم أقبل حسّان حين بلغه الخبر إلى واد يقال له مسكيانة (١٧٤) فقيل له أنها أقبلت في عدد لا يحصى، فقال لهم: دلّوني على ما يسع العسكر الذي أنا فيه، فمالوا به إلى نهر فنزل عليه / وزحفت إليه الكاهنة حتى أتت إلى أسفل النهر فنزلت عليه، فكان شربه هو وأصحابه من أعلى النهر وتشرب هي من أسفله، فلما دنا بعضهم من بعض تواقفت الخيل، وأبى حسان أن يقاتلها بالليل، فوقف كل فريق على مصافه، فلما أصبحوا زحف بعضهم إلى بعض واقتتلوا قتالا شديدا فعظم البلاء بينهم وظن المسلمون أنه الفناء، وانهزم حسّان بعد بلاء عظيم، وقتل من العرب خلق كثير، فسمي ذلك النهر «نهر البلاء»، فأتبعته الكاهنة بمن معها حتى خرج من حد قابس، فأسلم افريقية ومضى على وجهه، وأسّرت من أصحابه ثمانية رجال، وقيل إنها أسّرت ثمانين رجلا، منهم (خالد بن يزيد) (١٧٥) العبسي وكان رجلا مذكورا.

فلما فصل من قابس كتب إلى أمير المؤمنين يخبره بما نزل بالمسلمين من البلاء وبخبر الكاهنة، وطفق يرفق في سيره طمعا فيمن نجا من أصحابه أن يلحقوا به.

ثم إن أمير المؤمنين عبد الملك كتب إليه: إنه بلغني أمرك وما لقيت ولقي المسلمون، فحيثما لقيك كتابي هذا فأقم ولا تبرح حتى يأتيك أمري، فلقيه كتابه وهو نازل بالموضع الذي يقال له اليوم قصور (١٧٦) حسّان من بر برقة، فابتنى هناك قصرا لنفسه وأقام بذلك الموضع هو ومن معه ثلاث سنين. وملكت الكاهنة افريقية كلها.

وكانت الكاهنة حين أسّرت / أصحاب حسان أساءت أسرهم إلاّ رجلا واحدا وهو (خالد بن يزيد) (١٧٥) العبسي فإنها تبنته ثم عمدت إلى دقيق شعير مقلي (١٧٧)، فأمرت به


(١٧٣) في الأصول: «غائر» والمثبت من المعالم ١/ ٦١.
(١٧٤) في الأصول، وفي بعض أصول المعالم: «مكناسة» والمثبت من محقق المعالم اعتمادا على البكري، أنظر هامش ١ - ١/ ٦٢، والرياض ١/ ٥٠١ هامش ١٧٨.
(١٧٥) في الأصول: «يزيد بن خالد» والمثبت من المعالم ١/ ٦٢. ووقع الإضطراب في اسمه عند المؤرخين فهو يزيد أو خالد أنظر تحقيق اسمه من طرف البشير البكوش، الرياض، هامش ١٨٥، ١/ ٥١.
(١٧٦) في الأصول: «قصر» والمثبت من المعالم ١/ ٦٣.
(١٧٧) وهذه الأكلة معروفة إلى الآن وتسمّى في بعض الجهات «بسيسة» وتسمى في غيرها مثلا صفاقس «زميط» أو «زميطة».