للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسكين هذا مشرك بالله غلبت رأفته بالمشركين على رأفتك بالمسلمين، وأنت تؤمن بالله وابن عمّ نبيه، وإن الأموال لا تجمع إلاّ لأحد أمور، فإن قلت أجمعها لولدي فقد أراك الله تعالى عبرا في الطفل، يخرج من بطن أمه عريانا ما له على وجه الأرض مال، وما من مال إلاّ وله يد شحّيحة تحويه وتصونه من كلّ أحد، فما زال الله يلطف بذلك الغلام حتى يسوق إليه ما قدره له من المال فيملكه ويحويه كما حواه غيره، ولست الذي تعطي، بل الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وإن قلت أجمع المال ليشتدّ به سلطاني فقد أراك الله عبرا فيمن كان قبلك، ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب / والفضّة وما أعدّوا من السلاح والكراع، وما أضرّك ما كنت فيه، فو الله ما فوق ما أنت فيه منزلة إلاّ بالعمل الصالح، واعلم انك لا تعاقب أحدا من رعيّتك إذا عصاك بأعظم من القتل، وإن الله يعاقب من عصاه بالعذاب الأليم، وإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، فكيف يكون وقوفك غدا (٤٧) بين يدي الله وقد نزع ملك الدّنيا من يدك ودعاك إلى الحساب، هل يغني عنك ما كنت فيه شيئا؟ قال: فبكى المنصور بكاء شديدا حتى ارتفع صوته ثم قال: كيف احتيالي فيما خولت، ولم أر من الناس إلاّ خائنا؟ قال: يا أمير المؤمنين عليك بالأعلام الرّاشدين.

قال: ومن منهم؟ قال: العلماء العاملون. قال: فإنهم قد فرّوا مني، قال: نعم! فرّوا منك مخافة أن تحملهم على ما ظهر لهم من طريقتك، فإذا فتحت الباب وسهّلت الحجاب، ونصرت المظلوم ومنعت الظالم، وظهرت بالعدل ونشرت الفضل، فأنا ضامن لمن هرب منك أن يعود إليك، فجاء حينئذ المؤذّنون وسلّموا عليه، وأذنوا للفجر وأقاموا الصّلاة. فقام المنصور للصّلاة، وصلّى بالناس وإذا بالرجل قد غاب من بين أيديهم، فلمّا فرغ المنصور من الصّلاة سأل عنه فقالوا: ذهب. فقال: إن لم تأتوني به عاقبتكم عقابا شديدا، فذهبوا يلتمسونه فوجدوه في الطّواف، فتقدّم إليه الحرسي فقال له: انطلق معي الآن وإلاّ هلكت وهلك من معي، قال: كلاّ، فلست بذاهب معك، فقال له: يقتلني إن لم / آته بك، قال: كلاّ، لا يقدر عليك، وأخرج من جيبه ورقة وقال: ضعها في جيبك فلا يصيبك منه سوء فإنه دعاء الفرج، وقال: هذا دعاء لا يرزقه الله تعالى إلاّ للسّعداء ومن دعا به صباحا ومساء هدمت ذنوبه، واستجيب دعاؤه، وبسط الله رزقه عليه، وأعطاه أمله، وأعانه على عدوّه، وكتب عند الله


(٤٧) ساقطة من ت.