للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وولّي الخلافة ثلاث مرات: هذه الأولى / فتغلّب عليه الجند لصغر سنّه فخلعوه وعقدوا البيعة لأبي العباس عبد الله بن المعتزّ بن المتوكّل بن المعتصم، ولقّبوه «الراضي بالله» (١٧٠) وبايعوه لعشر بقيت من ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين (١٧١)، وخلع من يومه فكانت الأولى إسقاطه من الخلفاء ولكن ذكر لفضله، قال المعافى بن زكرياء: لما بويع ابن المعتز دخلت على شيخنا محمد بن جرير الطّبري المحدّث المشهور فقال لي: ما الخبر؟ فقلت له: بويع بالخلافة لعبد الله بن المعتز، قال: فمن رشّح لوزارته؟ قلت:

محمد بن داود قال: فمن قاضيه؟ قلت: أبو المثنى، فأطرق قليلا ثم قال: هذا أمر لا يتمّ، قلت ولم؟ قال: كلّ أحد ممّن ذكرت ذو شأن عظيم متقدّم في علمه وفضله، وإن الدّنيا مولّية والزّمان مدبر، ولا مناسبة لأحد ممن ذكرت برئاسة في مثل هذا الزّمان، وما أرى هذا العقد إلاّ إلى الإنحلال، فقدّر الله أنهم خلعوه في ذلك اليوم (١٧٢).

فإن عبد الله بن المعتز لمّا عقدت له الخلافة أرسل إلى المقتدر يأمره بإخلاء دار الخلافة (١٧٣)، وأن يذهب إلى دار محمد بن طاهر لينظر في أمره، فلمّا جاء الرسول إلى المقتدر وبلّغه الرّسالة قال: ليس له عندي جواب إلاّ السّيف، ولبس السلاح وركب معه جماعة قليلة من خدمه وهم مستسلمون للقتال في غاية الخوف والرّعب، وهجموا على عبد الله بن المعتز فهاله ذلك وألقى الله في قلبه / الرعب فانهزم هو ووزيره (١٧٤) وقاضيه، وكلّ من في ديوانه ظنا أن خلف هؤلاء أعوانا وأنصارا، وقبض المقتدر على عبد الله بن المعتز (١٧٥) وعلى بعض الأمراء والفقهاء، فقتل منهم من أراد وحبس عبد الله بن المعتزّ ثم أخرج من الحبس ميّتا واستقام الأمر للمقتدر.

وهذه ثاني ولايته: فسار أحسن سيرة واستقام أمره بعد الإضمحلال، واستوزر أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات (١٧٦) فسار أحسن سيرة، واستقرّ في الخلافة إلى سنة سبع عشرة وثلاثمائة (١٧٧).


(١٧٠) في الأصول: «الغالب بالله» والمثبت من الطبري الذي عاش هذه الأحداث.
(١٧١) ٩٠٨ م.
(١٧٢) أنظر الكامل: ٨/ ١٤.
(١٧٣) «التي كان يقيم فيها المعتز» الكامل ٨/ ١٥.
(١٧٤) محمد بن داود بن الجراح.
(١٧٥) قبل ذلك هرب ابن المعتز إلى الصحراء.
(١٧٦) في سنة تسع وتسعين ومائتين. مروج الذهب ٤/ ٢١٣.
(١٧٧) ٩٢٩ م.