للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السبائي، ومروان العابد، وربيع القطّان وأضرابهم، وأرسلوا إليه أن يعاود النّظر، وأن يرجع عن هذا القول فأبى ذلك، وانتهت القضيّة إلى المعزّ بن باديس (الذي كان سببا في قطع مذهب الشّيعة) (٨٩) فجمع بعض الجمع عنده في المقصورة وناظروه فأظهر الانابة إلى قولهم والرّجوع، ثم خلا بأصحابه فأنكروا عليه رجوعه إلى قولهم وأنه على الحق الذي لا يجب سواه، وكان رأي الفقهاء سدّ هذا الباب للعامّة على هؤلاء الكفرة بني عبيد الزّنادقة، وأن الدّاخل في دعوتهم - وان لم يقل بقولهم - كافر لتوليه الكفر، فأظهر أبو اسحاق التّمادي على قوله وانكار الرجوع عنه، فأطلق الفقهاء الفتيا بسبب مقالته / هذه بالتّضليل والتّبديع، وقال فيها الشّعراء قصائد كثيرة تضمنت التبرّي من أبي اسحاق، وأنشدها الشعراء والطلبة عند الفقهاء في دورهم (وجمعهم) (٩٠)، وأمر السّلطان بسجل في القضيّة من التبري من قوله، وقيل فيه ما يعظم به أجره، وأمر بقراءته يوم الجمعة على المنبر قبل الصّلاة مستهل صفر عام ثمان وثمانين وأربعمائة (٩١)، ثم أمر السّلطان باحضاره بالمقصورة في ذلك اليوم اثر الصّلاة، وأحضر معه الفقهاء: أبا القاسم اللبيدي فقيه مشيخة الفقهاء وكبيرهم، والفقيه أبا الحسن، والقاضي أبا بكر بن أبي محمد بن أبي زيد خاصّة من بين سائر الفقهاء، وكان هذان الفقيهان من أشدّ الناس في ذلك إلى مذهب الجماعة، وحكم في المسألة اللّبيدي، فحكم أن يقرّ بالتّوبة على المنبر بمشهد جميع النّاس وأن يقول: كنت ضالاّ فيما رأيته ورجعت عن ذلك إلى مذهب الجماعة، فاستعظم الأمر على المنبر وقال: ها أنا أقول هذا بينكم، فساعدوه وقنعوا منه بقول ذلك بمحضر السّلطان والجماعة، وأن يقوله بمجلسه ويشيعه عنه، وافترقوا على ذلك، وحصلت على الشّيخ منه غضاضة فخرج في صبيحة يومه متوجّها إلى منستير الرّباط، وهو المراد بقول من قال: خرج إلى قصر الرّباط، ولا يحمل على ظاهره، وهو قصر الرّباط بسوسة (٩٢). [وكان] ذلك يوم السبت الثاني من صفر من السنة المذكورة، / وانما خرج على الفور مسكّنا للقضية ومنسيا لها فتغيب بشخصه ثم عاد إلى القيروان.

قال عياض: ولا امتراء عند كلّ منصف أن الحق فيما قاله أبو اسحاق، ولا امتراء أن مخالفته أوّلا لرأي أصحابه في حسم الباب لمصلحة العامة لجاج وأن رأي الجماعة كان


(٨٩) زيادة عن معالم الايمان.
(٩٠) زيادة عن معالم الايمان.
(٩١) كذا في المعالم وفي ط: «وثلاثين» ١٠ فيفري ١٠٩٥.
(٩٢) ما يتعلق بفتوى أبي اسحاق التونسي ورد في ترجمته من معالم الايمان ٣/ ١٧٧ - ١٧٩ (ط / ٢).