للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمر المهدي بحفر مرسى المهديّة وكان حجرا صلدا، فنقر نقرا وجعله حصنا لمراكبه الحربية (١١٠)، وأقام على فم هذا المرسى سلسلة من حديد، يرفع أحد طرفيها عند دخول السفن ثم تعاد كما كانت تحصينا للمرسى من طروء (١١١) مراكب النّصارى (١١٢)، وابتنى دار الصّناعة، وهي من عجائب الدّنيا، ثم شرع في حفر الأهراء بداخل المدينة، وبنى الجباب (١١٣) والمصانع، واختزن الأهراء بالطّعام، وملأ الجباب (١١٣) بالماء، ثم أمر بحفظها ولم (١١٤) تفتح إلاّ في أيّام أبي يزيد، ولولا ذلك لما أطاقوا الحصار، وكان اتّساع المهديّة في أول بنائها من الشمال (١١٥) إلى الجنوب (١١٦) قدر غلوة سهم فاستصغرها المهدي عند ذلك فردم من البحر مقدارها وأدخله في المدينة فاتسعت، والجامع الأعظم والدّار المعروفة في القديم بدار المحاسبات من جملة ما ردم من البحر.

وأخذ عبيد الله / في بناء قصوره بها فبنى القصر الكبير المعروف الذي كلّله بطيقان الذّهب، وبنى ابنه أبو القاسم بازائه قصره المعروف به [أيضا] وبينهما فسحة، وبشرقي قصر عبيد الله حيث كان هي دار الصّناعة [الآن].

ولمّا كمل سور البلد (١١٧) وقصورها أراد عبيد الله الانتقال إليها فثقل ذلك على أوليائه وجنده، وصعب عليهم استبدالهم بالموضع الذي استوطنوه، فقال لهم: ان صعب عليكم ذلك فنحن ننتقل ونترككم هاهنا ونجري عليكم الأرزاق والصّلات، وعمّا قليل ستنتقلون إلينا مسارعين. قال المؤرخون: فلم يكن بعد ذلك إلاّ زمان يسير حتى أرسل الله السّماء بأمطار غزيرة أخربت مساكن رقّادة وأهدمت دورها وأهلكت خلقا عظيما من


(١١٠) في الأصول: «بحرية».
(١١١) في الرحلة: «دخول».
(١١٢) قال البكري في خصوص مرسى المهدية: «ومرساها منقور في حجر صلد يسع ثلاثين مركبا على طرفي المرسى برجان بينهما سلسلة من حديد فاذا أريد ادخال سفينة فيه أرسل حراس البرجين أحد طرفي السلسلة حتى تدخل السفينة ثم مدوها كما كانت بعد ذلك لئلا يطرقها مراكب الروم» كتاب المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب (جزء من المسالك) تحقيق دي سلان (De Slane) باريس ١٩٦٥ ص: ٣٠.
(١١٣) في الرحلة: «الجباب» وعند مقديش «المصانع» والجباب لها نفس المعنى، وكذلك كانت تطلق كلمة المصانع على صهاريج الناصرية بصفاقس، واستعمل البكري كلمة «مواجل» في نفس المعنى.
(١١٤) في الأصول: «وأن لا» والمثبت من الرحلة ص: ٣٢٢.
(١١٥) في الرحلة: «الجوف».
(١١٦) في الرحلة: «القبلة».
(١١٧) في الرحلة: «المدينة». وفي لهجة صفاقس وكما سيكتبها المؤلف في عدة مواضع من هذا الكتاب: «البلاد» وتعني المدينة.