للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عماد الدّين اسماعيل:

وكان قد عهد بالملك إلى ولده الصّالح [عماد الدّين] إسماعيل فقام [بالأمر] من بعده، ولمّا خرج صلاح الدين إلى الشّام، لم يبق له إلاّ حلب، فلم يزل بها حسن السّيرة إلى أن توفي في الخامس والعشرين من رجب (١٩) سنة سبع وسبعين وخمسمائة (٢٠) - رحمة الله عليه -.

[عود إلى ذكر نور الدين]

وفي تاريخ ابن أبي الهيجاء قال: «إن نور الدين كان يخيط الكوافي، ويعمل سكاكير الأبواب، وله عجائز يبيعنّها ولا يدري بهن أحد، فكان يصوم ويفطر على أثمانها وخرج يتصيّد فاذا بأعجمي قد أقبل من ناحية دمشق، وكان صاحبا لنور الدين فقدم بخيل ومماليك، وفيهم مملوك مستحسن جدا، فقبله وردّ الباقي، وكان له خادم أبيض اسمه سهيل، فقال له: خذ هذا المملوك / وادفع لصاحبه خمسمائة دينار وخلعة وبغلة، فقال سهيل في نفسه: {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} (٢١)، هذا ما اشترى مملوكا قط بخمسين دينارا ففعلت ما أمرني (٢٢)، وتركني أياما وقال: احضر المملوك مع المماليك كل يوم يقف في الخدمة، قال: فأحضرته، فلمّا كان بعد أيام قال لي: احضره وقت العشاء الآخرة إلى الخيمة، وقم أنت وهو على باب البرج، فقال الخادم: هذا الشّيخ في أيّام شبابه ما ارتكب معصية، فلما كبر يقع فيها، والله لأقتلنه، - يعني المملوك - قبل أن يقع في معصيته، وجئته بالمملوك إلى الخيمة فسهرت أكثر الليل، ونور الدين في البرج، فلما كان السّحر نمت ثم انقلبت فوقعت يدي على جسد المملوك فاذا به مثل الجمرة قد أخذته حمّى، فلمّا أصبحت أحضرت الطبيب فرآه وقال: هذا مرضه سماوي، فلمّا كان وقت الظهر مات، فدعاني نور الدّين وقال: يا سهيل {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (٢٣)، فاستحييت، فقال نور الدّين: والله لمّا رأيت الغلام وقع في قلبي منه


(١٩) في الأصول: «جمادى الأولى» والمثبت من الوفيات ٥/ ١٨٨.
(٢٠) ٤ ديسمبر ١١٨١ م.
(٢١) سورة البقرة: ١٥٦.
(٢٢) بعدها في ت: «به في الحين».
(٢٣) سورة الحجرات: ١٢.