للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجود مالك بن وهيب، فما نأمن أن يعاود الملك (٤٧) في أمرنا فينالنا منه مكروه، وإن لنا بأغمات أخا في الله، فنقصد المرور به فلا نعدم منه رأيا ودعاء صالحا، واسم هذا الرّجل عبد الحق بن ابراهيم، وهو من فقهاء المصامدة (ولمّا مرّ بهنتاتة لقيه من أشياخهم الشّيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي) (٤٨) ولمّا وصل للشيخ عبد الحق خرج إليه مع جماعة المصامدة وأنزلوه، فأخبره ابن تومرت خبره، وأطلعهم على مقصوده، فقال عبد الحق: هذا الموضع لا يحميكم، وان أحسن المواضع المجاورة لهذا البلد تين مل (٤٩) وبيننا وبينها مسيرة يوم في هذا الجبل، فانقطعوا فيه برهة ريثما يتناسى (٥٠) ذكركم، فلمّا سمع ابن تومرت بهذا الاسم تجدد له اسم الموضع الذي رآه في كتاب الجفر، فقصده مع أصحابه، فلما أتوه رآهم أهله على تلك الصّورة فعلموا أنهم من طلاّب العلم، فقاموا إليهم وأكرموهم وتلقوهم بالتّرحاب وأنزلوهم في أكرم منازلهم، وسأل الملك عنهم بعد خروجهم من مجلسه فقيل له: إنّهم سافروا فسّره ذلك، وقال: تخلّصنا من الاثم بحبسهم.

ثم إن أهل الجبل تسامعوا بوصول ابن تومرت / إليهم، وقد كان شاع ذلك فيهم، فجاؤوه من كلّ فجّ عميق وتبرّكوا بزيارته، وكان كل من أتاه استدناه وعرض عليه ما في نفسه من الخروج على الملك، فان أجابه أضافه إلى خواصّه، وان خالفه أعرض عنه، وكان يستميل الأحداث وذوي الضراوة (٥١)، وكان أولوا العلم والعقل من أهاليهم ينهونهم ويحذّرونهم من أتباعه ويخوّفونهم من سطوة الملك، ولمّا لم يتمّ لابن تومرت مع ذلك حال، وطالت المدّة، وخاف من مفاجأة الأجل قبل بلوغ الأمل، وخشي أن يطرأ على أهل الجبل من جهة الملك ما يحوجهم إلى تسليمه إليه والتّخلي عنه (٥٢)، شرع في إعمال الحيلة فيما يشاركونه فيه ليعصوا على الملك بسببه، فرأى بعض أولاد القوم شقرا زرق العيون، وألوان آبائهم السّمرة والكحل، فسألهم عن سبب ذلك فلم يجيبوه، فألزمهم بالإجابة فقالوا: نحن من رعيّة هذا الملك وله علينا خراج، وفي كلّ


(٤٧) بعدها في ش: «لف».
(٤٨) زيادة عما هو موجود بالوفيات التي ينقل عنها المؤلف، انظر عنها ابن خلدون ٦/ ٤٦٩.
(٤٩) كذا في ط والوفيات، وفي ش: «يزمل».
(٥٠) «ينسى».
(٥١) في الوفيات: «ذوي الغرة»، ٥/ ٥١.
(٥٢) كذا في ط والوفيات، وفي ش: «منه».