للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المهديّة صلح وعهود إلى مدّة سنتين فلمّا كانت سنة اثنتين وأربعين (٣٠) زاد ما نزل بالنّاس من شدّة الغلاء الذي ابتدأ جميع بلاد المغرب من سنة سبع وثلاثين، ففارق النّاس البلاد والقرى ودخل أكثرهم إلى جزيرة صقليّة، وأكل النّاس بعضهم بعضا (٣١)، وكثر الموت في النّاس، وكان لجار يتمنى الاستيلاء والتّغلب على بلاد افريقية (فاغتنم الفرصة وقدر أنه لم يبادر في هذه الشدّة لم يتأت له مطلوب) (٣٢) «زاد غيره فأضعف الغلاء أكثر جند الحسن، وأهلك خيلهم ومع ذلك فكانت بقية العسكر في محاربة ابن خراسان صاحب تونس عضدا لمحرز بن زياد صاحب المعلّقة» (٣٣)، فلمّا كانت سنة ثلاث وأربعين (٣٤) «عمّر (٣٥) أسطولا كبيرا وأكثر من المراكب فبلغ نحوا من مائتين وخمسين شينيا (٣٦) وقيل ثلاثمائة مركب مملوءة رجالا وسلاحا وقوتا (٣٧) وسار الأسطول عن صقليّة فوصل إلى جزيرة قوصرة، فصادفوا بها مركبا وصل من المهديّة فأخذ / أهله وأحضروا بين يدي جرجير (٣٨) فسألهم عن حال افريقية ووجد في المركب قفص حمام فسألهم هل أرسلوا منها شيئا فحلفوا أنهم ما أرسلوا شيئا، فأمر الرّجل الذي كان الحمام صحبته أن يكتب بخطه أنه لما وصلنا إلى جزيرة قوصرة وجدنا بها مراكب من صقليّة فسألناهم عن الأسطول المخذول، فذكروا أنه أقلع إلى جزائر القسطنطينيّة.

وأطلق (٣٩) الحمام فوصل إلى المهديّة، فانخدع الأمير حسن والنّاس، وفرحوا بذلك وأراد جرجير بذلك أن يصل بغتة، ثم سار - وقدر وصولهم إلى المهديّة وقت


(٣٠) ١١٤٧ - ١١٤٨ م.
(٣١) تعبير مجازي أقرب للعامية منه للفصحى وقريب من المثل الشعبي: «حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت» وما بالنص يعبر عن اشتداد الأزمة.
(٣٢) في الكامل: «فاغتنم رجار هذه الشدة» ١١/ ١٢٥.
(٣٣) رحلة التجاني ٣٤١.
(٣٤) ١١٤٨ - ١١٤٩ م.
(٣٥) رجع إلى النقل من الكامل ١١/ ١٢٥.
(٣٦) وشيني بالفرنسية (Galere) وبالايطالية (Galera) أقدم أنواع السّفن وردت في التاج للزبيدي «الشونة» المركب المعد للجهاد في البحر وجاء في المستدرك «الشين» المركب الطويل. وفي العصور الوسطى كانت أهم القطع التي يتركب منها الأسطول الاسلامي انظر سعاد ماهر، «البحرية في مصر الاسلامية»، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، ص: ٣٥٢.
(٣٧) في الأصول: «وقوة».
(٣٨) في الكامل ١١/ ١٢٥ وفي كتاب العبر ٦/ ٣٤٤ «جرجي مقدم الأسطول».
(٣٩) في ش: «وأطلقوا».