للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السحر - ليحيط بها قبل أن يخرج أهلها، فلو تمّ له ذلك لم يفلت من النّاس أحد فقدّر الله عليهم بارسال ريح هائلة عاكستهم (٤٠)، فلم يقدروا على المسير الاّ بالمقاذيف، فطلع النّهار ثاني صفر من سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة (٤١) قبل وصولهم، فرآهم النّاس، فلما رآهم جرجير (٤٢)، وعلم أن الخديعة فاتته، أرسل إلى الأمير حسن يقول:

إنما جئت بهذا (٤٣) الأسطول طالبا ثأر محمد بن رشيد صاحب قابس وردّه إليها، وأما أنت فبيننا وبينك عهد وميثاق إلى مدة، ونريد منك عسكرا يكون معنا.

فجمع (٤٤) الحسن النّاس من الفقهاء والأعيان وشاورهم، فقالوا: نقاتل عدونا فان بلدنا حصين، فقال: أخاف أن ينزل إلى البر ويحصرنا برا وبحرا، ويحول بيننا وبين الميرة، وليس عندنا ما يقوتنا شهرا، فنؤخذ قهرا، وأنا أرى سلامة المسلمين من القتل والأسر خيرا / من الملك، وقد طلب مني عسكرا لقابس، فان فعلت فما يحلّ لي معونة الكفّار على المسلمين، وإن امتنعت يقول: انتقض ما بيننا من الصّلح، وليس يريد الاّ أن يثبطنا حتى يحول بيننا وبين البر، وليس لنا بقتاله طاقة، والرأي أن نخرج بالأهل والولد ونترك البلد، فمن أراد أن يفعل كفعلنا فليبادر معنا، وأمر في الحال بالرّحيل وأخذ معه من حضره [وما] خف حمله، وخرج النّاس على وجوههم بأهاليهم وأولادهم وما خف من أموالهم وأثاثهم، ومن النّاس من اختفى عند النّصارى وفي الكنائس، وبقي الأسطول في البحر تمنعه الرّيح من الوصول إلى المهديّة إلى ثلثي النّهار، ولم يبق في البلد ممن عزم على الخروج أحد، فوصل الافرنج ودخلوا البلد من غير مانع ولا مدافع، ودخل جرجير (٤٢) القصر فوجده على حاله لم يأخذ الحسن منه الاّ ما خفّ حمله من ذخائر الملوك وفيه جماعة من حظاياه، ورأى الخزائن مملوءة من الذخائر النفيسة وكل شيء غريب قلّ وجود مثله، فختم عليه، وجمع سراري الحسن في قصره (٤٥) فكان ولاية صنهاجة من زيري إلى الحسن (مائة سنة وثمانين سنة من سنة احدى


(٤٠) في ش: «ريح هائل عاسفهم» وفي ط: «عاصفهم» والمثبت من الكامل ١١/ ١٢٦.
(٤١) ٢٢ جوان ١١٤٨ م.
(٤٢) في الكامل «جرجي» وفي رحلة التجاني جرجير كما أشرنا.
(٤٣) في ش «بهذه».
(٤٤) في ش «أجمع» وفي ط «اجتمع» والمثبت من الكامل.
(٤٥) في الأصول «القصر».