للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضايق ملوكها الحفصيين استجاروا به وصاهروه، فكتب إلى أبي تاشفين في الأفراج عن بلادهم والاقصار عن مضايقتهم، فلجّ بما كان داعية لإعمال الحركة الثقيلة إليه ومنازلته ثلاث سنين على تلمسان، لم يغن عن أبي تاشفين مع الحزم والمضايقة ما أعدّه ولا نفعه ما ادّخره حتى دخلها عنوة، ولمّا فرغ - رحمه الله - من أمر تلمسان واستضاف بلادها إلى إيالته شرع في الاجازة إلى الأندلس، وشمّر للجهاد، فأوقع بعدوّ البحر وأساطيل الرّوم الوقيعة المشهورة يوم السّبت سادس شوال من سنة أربعين وسبعمائة (٣٥) وعبر إلى جبل الفتح (٣٦) ونازل طريف (٣٧) ثالث محرم، وتمادى حصاره اياها فأعيته، وخرج ملكها المحصور يستمدّ العساكر من سلطان البرتغال (٣٨) وسواه، فأسرع السّلطان أبو الحجاج بن نصر سلطان الأندلس اللحاق به ممدّا اياه، فكان اللقاء بين الطائفتين بظاهر طريف (٣٩) وساء التّدبير فاختل مصاف المسلمين، وأضاعوا الحزم فانهزموا، ولم يحصل فتح لهم، وكان ذلك ضحوة يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة من عام واحد وأربعين وسبعمائة (٤٠)، وفي ليلة اليوم بعده لحق بسبتة، ثم لحق بمرّاكش آخذا بالجدّ في تفقّد بلاده والاستعداد لطلب ثأره وجبر انكساره، فرتّب الأمور، واستطلع الأحوال، ثم توجّه إلى بلاده القبلية فاتّصل به ما كان من وفاة أبي بكر ملك تونس (٤١)، واختلاف أولاده وتوثب ولده عمر (٤٢) وسطوته في النّاس، ولحق به وجوه الدّولة من الشّيخ محمد ابن تافراجين (٤٣) وأشباهه فأطمعوا السّلطان في تملكها وتوسع نظره فيها، وأوجبوا عليه


(٣٥) ٥ أفريل ١٣٤٠ م.
(٣٦) جبل طارق.
(٣٧) مدينة بالأندلس على جبل طارق سميت باسم طريف بن مالك، جاء في كتاب العبر ٤/ ٢٥٤ ونزل طارق بهم جبل الفتح فسمّي جبل طارق به، والآخر على طريف بن مالك النخعي ونزل بمكان مدينة طريف فسمّي به «Tarifa».
(٣٨) في تاريخ شمال افريقيا: «بفضل أسوارها المتينة، ونجدة من بحرية جنوة، قاومت مدينة طريف حتى أتتها المدد المسيحية الحربية وجملتها ٠٠٠.٣٥ مقاتل» ٢/ ١٧٩.
(٣٩) على ضفاف نهر Rio Salado».
(٤٠) ١٨ نوفمبر ١٣٤٠ م.
(٤١) أبو يحيى أبو بكر المتوكل على الله الحفصي.
(٤٢) عن اختلاف الأمراء أبناء السّلطان الحفصي أبي يحيى أبي بكر بعد وفاته أنظر تاريخ الدولتين ص: ٧٩ - ٨١.
(٤٣) كذا في الأصول وتاريخ الدولتين وفي الحلل السندسية، وكتبها ابن خلدون «تافراكين» وهو أبا محمد عبد الله شيخ الحضرة أولا، قدمه السّلطان أبو بكر يحيى الحفصي على حجابته ولمّا توفي الحاجب الشّيخ أبو القاسم بن عبد العزيز الغساني، أنظر مثلا تاريخ الدولتين ٧٧.