للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاس مودع ماله، فجعل يشكو منهما إلى غير منصت، وطال به الأمر، وأعيى من لديه الصّبر، فحملوه على الرّحيل عن افريقية واللحاق ببلاده يحسبون أن جبر حاله موصول بالوصول إليها، ولم يعلموا أن كلام النّاس معه / وسيوفهم عليه، وقد كان ولده سلك سبيلا من البذل والاستيلاء لم يسبق إليه، ورحل إلى تلك الحضرة وسلم في تلمسان لعدوّه ليكون من بها سدّا بينه وبين أبيه، فركب البحر في الفصل المحذور والوقت المشؤوم، وعقد لابنه أبي الفضل على تونس خوفا من الغوغاء ومعرات هيعتهم (٥٢)، فأقامه لنظر من خلص له من أهل الوطن وذلك بشوال من عام خمسين وسبعمائة (٥٣).

ولمّا فصل عن تونس طرق الأسطول الهول ففرّقه شذر مذر وتكسر الجفن المختص بركوبه (٥٤) ببعض السّواحل من مدينة بجاية، وقد صارت إلى عدّوه، ونجا بعد الغرق فتعلق بحجر قريب من البرّ عاري الجسد مباشرا للموت، وهلك من كان معه من الفقهاء والعلماء والكتّاب والأشراف والخاصّة، وهو يشاهد مصارعهم، وينظر اختطاف البحر إياهم من فوق الصّخور التي تعلّق بها في البحر، وعدوه بالساحل (متهيء لقتاله وقد كان منعهم أهل بجاية من الماء وبعث إلى السّواحل أن) (٥٥) يمنعوهم، فاستقوا بعد قتال، ثم ان الله تعالى تداركه بجميل لطفه بإقبال جفن من بقية أسطوله حائر الوجه، رفعه وقد سكن الهول فاستصحبه لمدينة الجزائر وقد تمسكت بطاعته - فاستنشق (٥٦) بها ريح الحياة وأقام الرسم.

ولمّا اتّصل الخبر بأبي العبّاس الفضل الحفصي وهو بالجريد خبر السّلطان أبي الحسن وخروجه في البحر أجدّ السير إلى تونس، ونزل عليها محاصرا لابن السّلطان أبي الحسن وهو أبو الفضل الذي كان السّلطان عقد له على تونس، فغلبه ومن كان / معه بعدما أحاط الحفصي وأهل تونس بالقصبة، فاستنزلوا الأمير أبا الفضل ابن السّلطان أبي الحسن على الأمان من القصبة، وخرج إلى بيت أبي الليل بن حمزة، وأنفذ معه من بلّغه مأمنه فلحق بأبيه بالجزائر.


(٥٢) في تاريخ الدولتين: «خوفا من توارث الغوغاء ومضرة هيعتهم» ص: ٨٩.
(٥٣) ديسمبر - جانفي ١٣٥٠ م.
(٥٤) أي السّلطان.
(٥٥) ما بين القوسين ساقط من ش.
(٥٦) أخذ هذه العبارة من تاريخ الدولتين ص: ٨٩، وأخذ المؤلف خبر خروج السّلطان أبي الحسن من تونس ونجاته من الغرق من تاريخ الدولتين بتصرف.