للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمشقّة شديدة، وما عاد واحد منهم إلى حضرته الا وعاد الويل، وأظلم ذلك الليل، وهذه الدّعوة كما يجب علينا القيام بها والذّب عنها كذلك يجب عليك، وقد طلبنا في جميع اخوانك السّادة وأعيان هذه الجماعة من ينوب عنا في هذه البلاد، فلم نجد عند أحد معوّلا فانحصر الأمر الينا وإليك، فأما أن تطلع الى حضرة مرّاكش فتقوم هناك مقامنا، ونقيم نحن بهذه البلاد، أو نطلع نحن الى حضرتنا وتقيم أنت هنا مقامنا، فقال الشيخ: يا بني أما القسم الأول فهو مما لا يمكن، وأما القسم الثاني فأجبت اليه على شروط، فسرّ الولد بذلك، وقبّل يديه، فقبّل الشيخ أبو محمد رأسه، وانفصلوا فكأنما كان عندهم تلك الليلة فتح جديد بالسّرور الذي عمّهم، والطمأنينة مما كان أهمهم.

ثم خلا النّاصر به مستفهما عن شروطه فشرط أن لا يتولى افريقية الا بقدر ما تصلح أحوالها، وينقطع طمع الميورقي عنها، ويرسل النّاصر من يكون عوضا عنه، وجعل النهاية / في ذلك ثلاث سنين، وأنه يعرض عليه الجيش فيبقى معه من يقع اختياره عليه، وأنه إن فعل فعلا أي فعل كان لا يسأل عنه ولا يعاتب فيه، وان من (١٤) بقي بعد انفصال النّاصر واليا على بلد من بلاد افريقية فهو فيه بخير النظرين (١٥): إن شاء أبقاه وإن شاء عزله، وغير (١٦) هذه الشّروط، والنّاصر مقبل عليه قابل لشروطه، وبعد تقرر ذلك خرج النّاصر متوجها الى المغرب وذلك سابع شوال، وصحبه الشيخ أبو محمد ثلاثة أيام رحل معه فيها الى باجة.

وكان أهل تونس عند خروج النّاصر قد وقفوا ورفعوا أصواتهم بين يديه مستشفعين (١٧) من الميورقي وخائفين أن يصل اليهم بعد انفصال الخليفة عنهم، فاستدعى النّاصر وجوههم وقربهم منه وكلّمهم بنفسه وقال: إنّا قد اخترنا لكم من يقوم مقامنا فيكم وآثرناكم به على أنفسنا مع شدّة حاجتنا اليه، وهو فلان، فتباشر النّاس بولايته اذ كان لا يسمع له كلام ما دام راكبا إلى أن ينزل، وكان يلقب «بالصّامت» ورجع الشيخ أبو محمد من باجة إلى تونس واليا على جميع بلاد افريقية» (١٨).


(١٤) ساقطة من ش.
(١٥) كذا في ط ورحلة التجاني ص: ٣٦٢، وفي ش: «الناظرين».
(١٦) في الأصول: «وإن شاء أعزله وغيره» والتصويب من رحلة التجاني.
(١٧) في الرحلة: «مشفقين».
(١٨) نقل المؤلف من رحلة التجاني ص: ٣٦٠ - ٣٦٣ ما كان من الخليفة الناصر في تولية الشّيخ أبي محمد عبد الله بن أبي حفص.