للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المستنصر ومن توفي من العلماء في أيامه]

وتولّى / بعده بلاد افريقية ولده وولي عهده السّلطان أبو عبد الله محمد - المقدّم الذكر - الملقب «بالمستنصر» (٦١) بويع أولا وهو ببونة بعد وفاة أبيه، وكان الذي أخذ له البيعة من الخاصّة وسائر العسكر عمّه محمّد اللحياني، ثم بويع بعد وصوله من بونة إلى حضرة تونس وذلك ثالث رجب من سنة سبع وأربعين وستمائة (٦٢)، وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، وتسمى بالأمير (٦٣).

وفي يوم الإثنين الرابع والعشرين لذي الحجة من سنة خمسين وستمائة (٦٤)، رأى أن يتسمّى بأمير المؤمنين (٦٥)، وأن يذكر ذلك في الخطبة، وأن يطبع في الذّهب، واختار للعلامة «الحمد لله والشكر لله» فبايعه النّاس بذلك البيعة التّامة واتبع بذلك ردّ المظالم، واتفق أن كان المطر قد احتبس، ففي ثالث يوم من هذه البيعة نزل المطر فهنّأه الشعراء بذلك، ثم رأى شيخ الدّولة أبو سعيد عثمان المعروف «بالعود الرطب» حين تقرر من أمر العامة ما تقرر أن الأوامر السّلطانية قد تنفذ بأمر حقير لا ينبغي الكتب بمثلها عن الخلافة، فقسم الكتب إلى علامة صغيرة وإلى كبيرة، فالأوامر الكبيرة الصّادرة عن الخلافة تكتب بالعلامة التي وقع / الإختيار عليها، والكتب الصغيرة التي يكبر قدر الخليفة عنها تكتب عمن يعيّنه الخليفة لذلك، وتنفذ بعلامة أخرى تشعر بأن ذلك من أمر الخليفة، فانقسمت العلامة إلى صغرى وكبرى، فالكبرى موضعها في أول الكتاب بعد البسملة، والصغرى معلمة في آخره.


(٦١) في الأصول «المنتصر».
(٦٢) ٢ اكتوبر ١٢٤٩ م.
(٦٣) بعدها في الأصول: «ثم تسمى بأمير المؤمنين يوم الإثنين الرابع والعشرين لذي الحجة من سنة خمسين وستمائة وذلك لما قدمت عليه بيعة أهل مكة بإنشاء عبد الحق بن سبعين وقدمت عليه بيعة الشام والأندلس» أسقطناها لأنها تكرار لما جاء بعدها مباشرة وما أثبتناه يتماشى مع تسلسل نص الزركشي الذي ينقل عنه المؤلف.
(٦٤) ٢٥ فيفري ١٢٥٣ م.
(٦٥) وعلق برونشفيك (Brunschvig) على هذا الحدث بقوله: «لقد أحسن المستنصر اختيار الوقت بذلك فالخلافة العباسية انحطت وهي تعيش آخر سنواتها تحت تهديد سطوة التتر المتصاعدة وانقرضت السّلطة الأيوبية في مصر سنة ٦٤٨/ ١٢٥٠ م. في الوقت الذي كان فيه الصّليبيون تحت قيادة ملك فرنسا التاسع يحاربون داخل الأراضي الاسلامية، وفي الأراضي المغربية، فإن الدولة المومنية كانت تعيش أيضا آخر مراحل حياتها منذ أن افتكّ منها المرينيون شمال المغرب الأقصى، أما في اسبانيا فقد سقطت عدة مدن منها اشبيلية، وقادس. . . بين أيدي ملوك قشتيلية فيما بين سنتي ١٢٤٦/ ١٢٤٨ م لكل هذا لم يكن المستنصر يخاف من رد فعل خارجي، بينما كان يتعين على الضّمير الشعبي المتقيّد داخل افريقية قبول هذا الحدث».