للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه بعضهم وحلف له ومنعه الخروج حتى يدبروا أمرهم، فقبضوا عليه وأدخلوه لداره بالقصبة واعتقلوه بها، فلما سمع أولاده بالقبض على أبيهم خرجوا من حينهم لأخيهم الأمير أبي عبد الله صاحب بونة، فرجع الأمير أبو فارس، فاجتمع باخوته على أكبرهم أبي بكر وهو ولي عهد أبيهم فقال له: ابن عمنا صاحب بونة جالس بمحلّته على الطريق يستمع الأخبار، فان هو سمع بأخذ / أبيه مشي إلى قسنطينة وأخذها فاختر إما أن تجلس هنا بتونس وأمشي أنا أمنعها، وإلاّ فامش أنت إليها وأجلس أنا هنا بتونس، فرأى أبو بكر أنه لا قدرة له على القيام بتونس، فقال: أنا أمشي إلى قسنطينة، فاجتمع أولاد الخليفة أبي العباس أحمد وكتبوا على اسم أبيهم كتابا بولاية قسنطينة للمولى أبي بكر، فخرج يوم الإثنين من غرّة شعبان إلى قسنطينة فوصلها يوم الخميس رابع يوم خروجه، فخرج البوّاب القائد ابراهيم حتى وقف على الكتاب وتردّد في الجواب، ثم لم يسعه إلاّ دخوله واستقل بتونس أبو فارس، فأخذ بالحزم في أموره وأوقف في كل خطة من يصلح لها، فاستقامت الأمور في أيّامه كلّها أحسن استقامة ثم شرع في إحداث الخيرات بتونس وغيرها فمنها بناؤه لزاوية باب البحر بتونس، وكانت بقعة معدة للمعاصي مجباها للمخزن عشرة آلاف دينار ذهبا في كل سنة، ومنها بناؤه للماجل الذي بمصلّى العيدين من تونس (٣١٣)، وهو من الأبنية الضخمة التي قلّ أن يبنى مثلها، ومنها بناؤه للزاوية التي خارج باب أبي سعدون بحومة باردو، وجعلها منهلا للوارد من أي أفق كان، يأوي إليها عشية إلى أن ينشأ (٣١٤) سفره من هناك سحرا، وحبس عليها ما يقوم بها، ومنها بناؤه للزّاوية التي بحومة الدّاموس خارج باب علاوة المعروفة بالشّيخ الصّالح سيدي فتح الله (٣١٥)، جعلها مأوى لمبيت الواردين من تلك الجهة اذا لم يقدر على الوصول / إلى المدينة، ومنها بناؤه محارس جملة تحوط ثغور المسلمين كمحرس آدار والحمامات وأبي الجعد ورفراف وغير ذلك، ومنها اقامة الخزنة بجوف جامع الزّيتونة، وحبّس ما فيها من الكتب الشّرعية والعربيّة واللّغة والطب والحساب والتاريخ والأدب وغير ذلك، ومنها احداث قراءة البخاري في كل يوم بعد صلاة الظهر بجامع الزّيتونة وكتاب «الشفا» و «الترغيب والترهيب» (٣١٦) بعد العصر، وأوقف على ذلك وقفا، ومنها احداث المارستان


(٣١٣) خارج الباب الجديد، تاريخ الدولتين ص: ١١٦.
(٣١٤) في الأصول: «ينشي» وفي تاريخ الدولتين: «يشخص».
(٣١٥) هو فتح الله العجمي.
(٣١٦) للحافظ زكي عبد العظيم المنذري وهو مطبوع.