للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحسن قيام، واستوفى خلاص رعيته، ونفذت الأوامر على مراد الأخوين، ورجعا إلى حضرتهما في رجب من السّنة، فخرج النّاس للتّسليم (١٨٤)، واجتمع بكلّ منهما من وسوس له من الشّياطين فألقى إليهما أباطيل كانت سببا للبلاء على الخلق لما سبق في سابق القضاء والقدر، فانفتح عليهما باب الفتنة، فطلب محمّد أن ينفرد بالأمر على ما كان عليه في قائم حياة أبيه، وطلب علي المشاركة على ما اتفق عليه أهل الحلّ والعقد، وأبى كل أن يسلّم للآخر مراده، فجرت بينهما مشاجرة أفضت إلى التّحاكم، وحضرا في الدّيوان وتقارعا، ثم إتفقا أن يسلّما الأمر إلى عمّهما الأكبر محمّد الحفصي فرضي أهل الديوان فقدّموا عمهما وجعلوا بيده التّصرف في الحضرة والممالك، وخلعت عليه خلع الولاية.

محمّد باي الحفصي:

ولمّا تمّ أمره أخذ في إصلاح شأنه، فأنفت نفس محمّد باي من تقديم عمّه وكتم سرّه ولم يظهر لأحد خبره، فعزم على الخروج من الحضرة، ووافقه بعض جماعته، وخرج إلى ظاهر البلد كعادته فتوجّه إلى بلد الكاف أواخر شعبان (١٨٥)، وجدّ في السّير إلى أن بلغها، فانقسم النّاس، واختلفت آراؤهم، وتزايدت الأقوال، فاجتمع عليه بالكاف خلق كثير من كلّ الجهات، فأحسن إليهم، واستخرج من ذخائر أبيه، وأنعم على وفوده، وكان قبل خروجه من الحضرة / إتّفق إقبال ركب الحاج، وكان شيخه محرز ابن هندة، وكان من رجال الدّولة قبل الفتنة، وقد خاف الحفصي من هذه الفتنة، فخلع نفسه وردّ الأمر لابن أخيه محمّد باي، وبعث الشّيخ المذكور لبلد الكاف لإصلاح ذات البين، فلمّا وصل أحكم العداوة أكثر مما كانت عليه، وشاع الخبر أنّ محمّدا عزم (١٨٦) من الكاف إلى باجة، وأخذ منها ما يستعدّ به، ثم عزم (١٨٦) إلى ناحية القيروان، وأخذ شيخ الزّمالة أحمد الرقيعي وفتك به، وأنه معوّل على القدوم لتونس لمحاربة أخيه وعمّه.


(١٨٤) في ط: «للتسليم عليهما».
(١٨٥) سنة ١٠٨٦/ ١٩ نوفمبر ١٦٧٥ م.
(١٨٦) في المؤنس: «غزا».