كتاب نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار

بين الفريقين ولم يزل متماديا حتّى قام الطّاعون في المحلّة ومات منها خلق كثير وفرّ عنه العرب (٥١٣).

وبلغه أن عساكر الجزائر قادمة عليه فثنى عنان فرسه إلى تونس وتأهّب للقائهم، وحصّن حصار الكاف وجدّد بناءه، وحصّن الأسوار وأقام فيها أخاه محمّدا وعمّر الحصار بجميع ما يحتاجه من طعام وآلة حرب، وخرج بمحاله أوّل يوم من محرّم فاتح سنة سبع عشرة ومائة وألف (٥١٤).

وكان من نظره أن بنى بالجبل الأخضر المشرف على تونس حصارا يمنع به مدينة تونس من الضرر الوارد عليها، ثمّ زاد برجين آخرين بذلك الجبل.

ووقع الطّاعون بتونس فبلغ سبعمائة كلّ يوم، فأحصي من مات في ستّة أشهر فكان أربعين ألفا، فما خفّ الطّاعون إلاّ وعساكر الجزائر (٥١٥) قرب الكاف فزاد إبراهيم الشّريف في تقوية الكاف بالرّجال وبقي بالمرصاد، وعوّل على أنّهم إن التفتوا للكاف فالحصار قوي وهو من خلفهم، وإن تقدموا نحو تونس فهو محيط بهم، وجرّد لذلك جميع من استحسنه من العرب والعجم، فلمّا نزلت عساكرهم وبقوا منه رأي العين فرّ أولاد سعيد وتبعهم أمثالهم من العربان (٥١٦) ولم يبق معه غير صبايحية الترك / وقليل من العرب (٥١٧)، وفرّ صاحب سرّه محمد بن مصطفى (٥١٨) وتبعه (٥١٩) دريد وبقوا على حالهم إلى سبعة عشر من ربيع أوّل (٥٢٠) فنزلوا وادي الرّمل قرب الكاف، وطلبوا من إبراهيم

(٥١٣) فارتحل عنها أواسط رمضان ١١١٦ / أواسط جانفي ١٧٠٥، ودخل تونس في أواسط شوّال / أواسط فيفري: الإتحاف ٢/ ٨٢، وعن حملة إبراهيم الشّريف على طرابلس وما صاحبها من أحداث أنظر: التّذكار لابن غلبون (ط.١) ص: ١٥٦ - ١٥٧، حوليات ليبية ١/ ٣٣٣ - ٣٤٠، المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب، مكتبة الفرجاني، ليبيا بدون تاريخ، ط.٢، ص: ٢٨١، وأنظر أيضا Annales - A. Rousseau Tunisiennes ، دار بوسلامة تونس ٨٦ - ٨٧.
(٥١٤) ٢٥ أفريل ١٧٠٥ م.
(٥١٥) وحاكم الجزائر هو عشجي مصطفى بفتح العين وسكون الشين، ومعناها طباخ بالتركية وكان وظيفة من أهمّ وظائف الدّولة التّركية بالجزائر، فكان هو النّاظر على مطابخ دار الدّاي: تعليقات الأستاذ نور الدّين عبد القادر في أواخر كتاب تاريخ حاضرة قسنطينة. وفي الإتحاف ٢/ ٨٣: «عشي»، وهو تحريف ظاهر.
(٥١٦) «الذين استباح أموالهم وقتل ذريتهم واستاق إبلهم وخيلهم»: الإتحاف: ٢/ ٨٣.
(٥١٧) «الذين آثروا حقّ الوطن على أنفسهم»: الإتحاف ٢/ ٨٣.
(٥١٨) المعروف بابن فطيمة، نفس المرجع.
(٥١٩) في الأصول: «وتبعهم».
(٥٢٠) سنة ١١١٧/ ٨ جويلية ١٧٠٥ م.