للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما لا يحلّ النّظر إليه ولامسه فدفعه (٥٧٩) الباشا برجله وانتهره نهرة منكرة ففاضت روح الغلام من شدّة الهيبة والفزع.

ولقوّة شهامة الباشا وشدّة بطشه وانتقامه من المفسدين صارت الظعينة تمشي وحدها من أرض إلى أرض، وصارت الفيافي والقفار كالحاضرة في الأمن والعافية، ومن قصد الطّريق لا يرتقب الرّفيق لكثرة السّالكين.

وبالجملة فقد أقام الدّين بالسّيف والقلم، فالسّيف للبغاة، والقلم للعلماء.

وفي سنة ثلاث وخمسين (٥٨٠) إبتدأ النّاس الغلاء، وفي أربع وخمسين إشتدّ الحال بالنّاس حتّى أكل بعضهم بعضا حقيقة فضلا عن الميتة والدّم، وكان إشتدّ ذلك بطرابلس وإفريقية، ثمّ تدارك الله عباده بالرّحمة، فأخصبت الأرض ورخصت الأسعار.

وفي سنة تسع وخمسين ومائة وألف (٥٨١)، قدم أنجال سيدي حسين - رحم الله جميعهم - بعساكر الجزائر، ولمّا سمع الباشا بقدومهم حصّن مدينة الكاف غاية التّحصين بكلّ ما يمكن، فما أمكنهم فتحه لأنّ أوانهم ما آن، ورأوا أن مجاوزته من غير فتح يعود / عليهم بالضّرر لقطع مددهم فرجعوا من حيث قدموا ولم يحصل ما قصدوا (٥٨٢) ولكلّ أجل كتاب.

[فتنة يونس باي]

وفي سنة خمس وستّين ومائة وألف (٥٨٣) وقعت وحشة بين المرحومين أنجال الباشا أكبرهما يونس باي - رحمه الله - وأخوه (٥٨٤) شقيقه محمّد باي - رحمه الله تعالى -


(٥٧٩) كذا في ت، في ش: «فرفضه»، في ط وب: «فرفعه».
(٥٨٠) ١٧٤٠ م.
(٥٨١) في ربيع الأوّل / مارس - أفريل ١٧٤٦ م.
(٥٨٢) «ويقال إن حسين باي قسنطينة لمّا رآى ما في الكاف من الرّجال والعدّة ومنعة القلعة كاتب إبراهيم خوجة صاحب الجزائر يستمدّه، وتثاقل عن إمداده، ويقال إنّ علي باشا جاعله بالمال، فأقلع بمدافعه وتأخّر، وذلك عاشر رجب السنة ١١٥٩ (يوم الجمعة ٢٩ جويلية ١٧٤٦)»: الإتحاف ٢/ ١٢٩.
(٥٨٣) ١٧٥٢ م.
(٥٨٤) في ط: «وآخرة».