للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حمّودة بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - بكتاب ضخم حافل (٥٩٩) إستقصى فيه دولته ومزاياه وجميع أحواله. وكان الباشا - رحمه الله - يحبّه مع ما بينهما من التّباعد حبّا شديدا لأنّه صاهره الباشا بابنته، ولما يعلم من حلمه وعفّته وكرمه - رحمهم الله أجمعين -.

ولمّا منّ الله عليه بطول الملك والسّعادة وعلم أنّ الدّنيا زائلة والرّجوع إلى الله حقّ زهد في الملك (٦٠٠) والحكم ومزاولة الخصومات والدّعوات، وكاتب الأعتاب العثمانية الخاقانية يستعفي من الحكم، فعوفي، ونزلت الأوامر والخلع العثمانية والتّشاريف السّلطانية لنجله الأكبر الأسعد الهمام الأمجد سيدي حمّودة باشا - نصره الله -.

وسلّم له والده في البياية فصار باشا بايا كوالده وهو سلطان وقتنا - دام مجده وعلاه وأناله الله من سعادة الدّارين سؤله ومتمناه - (٦٠١).

وانفرد والده (٦٠٢) - رحمه الله تعالى - بنفسه لصلاته ودروس العلم ليلا ونهارا، وبذل المعروف والصّدقات والعفو عن الخطيّات، والإحسان للأرامل والأيتام، ولقد امتدحه الشعراء بما لا يحصى، فأجزل جوائزهم وقد استوفى ذلك وزيره في تاريخه، فليراجع ثمّة من أراد ذلك.

وأكثر من البنايات النّافعة فمنها فسقيته بتونس، ومنها مدرسته المشهورة (٦٠٣) بها أيضا، ومنها قنطرة واد مليان على ثنيّة السّاحل، ومنها فسقية (٦٠٤) صفاقس الّتي غفل عنها غيره / ممّن تقدمه من الملوك، ومن تنبّه لها لم يجعل الله له تيسيرا فيها حتى جاء هذا السّلطان الأسعد - رحمه الله تعالى - فكانت من غرر محاسنه، ومنها إتمام سور مدينة القيروان (٦٠٥) إلى غير ذلك من أفعال الخيرات ممّا يطول إستقصاؤه.


(٥٩٩) سمّاه الباشى نسبة إليه، طبع منه الجزء الأوّل، والباقي ما زال مخطوطا.
(٦٠٠) «ولمّا طعن في السّنّ، وظهر فيه مبادئ الهرم مع مرض النّقرس المصاحب له، وعيل الصّبر بتعلل أهل الجزائر، لعلمهم بأنّه في قيدي شاخة ومرض، لاذ به رجال دولته، إمّا من تلقاء أنفسهم، أو بإيماء منه إلى ذلك، وطلبوا منه أن يولي عهده لابنه الشّاب المقتبل الخليق للرّئاسة، أبي محمّد حمّودة باي»: الإتحاف ٢/ ١٧٦.
(٦٠١) هذا الدّعاء يشعر بأنّه يتكلّم عن باي عصره كما صرّح به بعد قليل.
(٦٠٢) لم ينعزل تماما إذ كان إبنه حمّودة باشا يكتب الأوامر باسم والده ويأتيه بها، وما ارتضاه منها أمضاه بختمه، وردّ الباقي، وينوب إبنه في مغيبه إذا سافر بالمحلّة لاستخلاص الجباية: المرجع السّابق ص: ١٧٧.
(٦٠٣) المعروفة بالجديدة، قرب تربته جوار صاباط عجم: الإتحاف ٢/ ١٧٤.
(٦٠٤) الموجودة بقاياها بالحديقة العمومية على طريق المطار.
(٦٠٥) وأبوابها وبرجها: المرجع السّالف ص: ١٧٥.