للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحكم في محلّه، فلم يأت أحد للنوالي لانكباب النّاس على المكّني، فاجتمع مشايخ البلد مع النوالي، وقالوا: هذا / نصّبنا للاستهزاء بنا والسّخرية، يتعاطى الأحكام والقائد كالمسجون في حصار، فلا يفيدنا هذا، ولا بدّ أن يرسل القائد إليه ويسجنه ونختبر بذلك النّاس، فإن لم يتكلم منهم أحد قضينا نحبه وتولّينا بلادنا، وإن قاموا في عنايته غالطناهم وسرّحناه وقلنا له: إنما فعلنا ذلك لننظر أمر النّاس هل يثبتون معنا ومعك أو لا، ولا لنا عليك زهدة، فاتّفقوا على ذلك، فأرسل إليه القائد النّوالي، فلمّا حضر بين يديه أمر بسجنه، فلمّا سجن تسامع النّاس بذلك (٧٢) وأسرعوا من كلّ مكان وهجموا عليهم [في] القصبة طلبا لخلاص المكّني، فلمّا رأوا ذلك أطلقوه، وقالوا له:

يا رئيس إنما فعلنا ما رأيت لننظر أحوال النّاس معنا ومعك وهل يثبتون معنا في المضايق إذا قصد أحد بلدنا بسوء، فقال لهم: وأنا علمت ذلك، ونزل من عندهم وتبعه النّاس، فلمّا وصل محلّه التفت إلى النّاس وقال لهم: يا جماعة البلد، إن رضيتم بالنوالي وأصحابه فابقوا في بلدكم بخير (٧٣)، وأنا أذهب حيث أشاء، وإن رضيتم بي فلا بدّ من قتل النوالي وأصحابه، فقالوا كلّهم على كلمة واحدة: لا نرضى إلاّ بك ولا حاجة لنا بغيرك، فشكرهم على ذلك وقرؤوا معه فاتحة الكتاب على انفراده بالأحكام، فلمّا سمع النوالي بذلك فرّ هو وأصحابه لبلد قفصة، فأقاموا بها.

وانفرد المكّني بحكم البلد وسار مع النّاس بسيرة حسنة، فعمّر البلاد والوطن، وركب معه ثمانين فارسا من أشجع النّاس فطوّع بهم عصاة / العرب والوطن، فصار النّاس في أرغد (٧٤) عيش.

فبعد مدّة رجع الشعري أحد المقدّمين للمشيخة خفية لصفاقس فسمع به المكّني، فما زال يتبع آثاره حتّى ظفر به فقتله، وكذا النوالي أتى خفية فما زال معه حتّى قتله وانقطع عنه الاغيار واطمأنّت به الدّار.

وكان له ولد مشهور بالشجاعة المفرطة وأحبّه أبوه لذلك لأنّه لا يقابله الأبطال فضلا عن غيرهم، وكان لا يطيق الصّبر عليه، فسمع به الشّيخ عرفة (٧٥) صاحب


(٧٢) في ش: «ذلك».
(٧٣) في ش: «الخبر».
(٧٤) في ط: «أغر».
(٧٥) هو شيخ الطّريقة الشابية وأوّل من أسّس إمارة بالقيروان منفصلة عن الدّولة الحفصية التي كانت في حالة ضعف وأمراؤها تحت براثن الأسبان المحتلّين للعاصمة.