للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- رحمه الله - أهل صفاقس بالمسير لرأس المخبز فإذا وجدوا مراكب البلنسيان تشحن بالملح تربّصوا بهم حتّى يفارقوا المرسى ويسيروا فبعد ذلك يتبعونهم ويقاتلونهم، ففعلوا ذلك وغنموا منهم سفنا غير أنّهم ربّما عاجلوهم عن الخروج من المرسى فيهجمون عليهم ويأخذونهم قبل مفارقتهم الميناء التي هي في أرض طرابلس فيردّهم الباشا، فخاف الكفّار من صفاقس فاستعدّوا وصاروا لا يأتون إلاّ بأكبر مراكبهم في أقوى العدد والعدد.

ففي سنة ستّين ومائة وألف (١٩) جاء منهم مركبان في غاية الكبر والقوّة والمنعة، فأمر الباشا بالذّهاب إليهما، فركب النّاس في ثمان سفن وتوجّهوا نحوهما، فسمع النّصارى بتوجّههم إليهم فتأهّبوا للقاء المسلمين فربطوا إحدى السّفينتين على الأخرى بحبال في غاية الثّخانة والقوّة حتّى تعسّر المرور بين السّفينتين، ووضعوا أثقالهم في الشّقّ غير المواجه لسفائن المسلمين، فارتفع الشّقّ الآخر المقابل للمسلمين فصار علوّ مراكبهم يحاذي رؤوس قلوع سفن المسلمين، فلمّا وصلت (٢٠) سفن المسلمين قريبا من العدوّ وصاروا رأي العين بادر المسلمون (٢١) / بالحرب، ولا علم عندهم بما فعله الكفّار من إمالة مراكبهم وحسبوا أنّهم من الجانبين في ذلك العلوّ على حدّ السّواء فاشتغلوا بالحرب عن تدوير السّفن للجانب الآخر، وكان الرّيح في ذلك اليوم ساكنا، فكثر الكور والبندق والحوارق (٢٢) من الجانبين حتّى أطبق الجوّ وصار النّهار ليلا من ظلمة الدّخان، وصمّت الآذان من صوت الصواعق، وفشا (٢٣) القتل والجراح في الفريقين وحسبوا أنّه الفناء، فأيس كلّ فريق من نفسه، وانقطع طمع المسلمين في أخذ الكفّار، ففارقوهم وحلّوا قلوعهم ورجعوا لبلادهم بما نالوا من أجر الجهاد وشهادة من استشهد، وكان عدّة الشّهداء أربعين والجرحى (٢٤) ستّين، ووقع في الكفّار مثل ذلك وأكثر منه، وما منع المسلمين من أن ينالوا الكفّار إلاّ علو مراكب الكفّار، فصاروا يرمون على المسلمين من علوّ، ولا ينال


= العلاقة بين البلدين، ومن بنوده منح البندقية وحدها امتياز الملح بزوارة، وجدد هذا الإتفاق في أوت ١٧٦٦ مؤكّدا النّصوص السّابقة إثر الخلاف الذي حصل بين البلدين في سنة ١٧٦٥. انظر مثلا أتوري روسي: ليبيا ص: ٢٩٩ - ٣٠٠.
(١٩) ١٧٤٧ م.
(٢٠) في ت وش: «وصل»، وفي ط: «وصلوا».
(٢١) في ش: «بادر المسلمين».
(٢٢) في ط: «الحارق».
(٢٣) في الأصول: «فشى».
(٢٤) في الأصول: «والجرحا».