للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان قدم بخزائن الأموال في فكّ أسارى المسلمين من أيدي الكفّار - حسبما مرت الإشارة إليه - فتكلم مع النّصارى واعتذر للنّاس بأنّهم يخافون من المسلمين أن يدعوا عليهم تفريطا، فلم يزل بهم حتّى قبلوا شفاعته وكتبوا لهم بما يبري ساحتهم، ولمّا أخذوا الكتاب عمل قنصل البلنسيان على المكر وطلب منهم الكتاب ليطالع ما فيه ليعمل فيه على مكره، فأنكروه عليه، ثمّ قدموا لتونس وليس معهم إلاّ الذّهب فسلّموه لأصحابه، ورفعوا أمرهم للسّلطان وقد بلغه عملهم تفصيلا، فدعا (٤٧) وكيل البلنسيان بتونس وطلب ثمن بضائع المسلمين / لأنّهم ما رضوا بذهاب المركب لمالطة، وطلبوا من وكيلكم بمالطة أن يكتري لهم مركبا أو رجالا أو يفتدي لهم أسارى من أموالهم فأبى، وقائد صفاقس أمر رئيس المركب بالتّوجّه لتونس، فالذي يقدّره على السّفر لمالطة يقدّره على السّفر لتونس، فلمّا وقفت عليه الحجة إستمهل لردّ الجواب لبلاد البلنسيان فأمهل، وكتب لهم (٤٨) بذلك.

واتّفق أنّ مركبا مشحونا (٤٩) بأرزاق المسلمين رئيسه من جنس البلنسيان أيضا، فسرق النّصارى الذين به أكثر أرزاق المسلمين، ولما خافوا الفضيحة حرقوا المركب وزعموا أنّ ذلك من غير إختيار، فأثبت المسلمون عليهم سرقتهم وأنّهم حرقوه باختيارهم فطالبهم السّلطان بثمنها أيضا فصاروا مطلوبين بثمن بضائع المركبين، ولمّا وصل البلنسيان خبر المركب الأوّل توقّفوا أوّلا ثمّ همّوا بالطّوع بثمنه (٥٠) ولمّا بلغهم خبر المركب الثّاني (٥١) نكصوا على أعقابهم وأبوا من بذل ثمن الأول والثّاني (٥٢) لكثرة أثمان بضائعهما، فقال لهم السّلطان: لا بدّ من دفع أثمان بضائع المركبين وإلاّ فلا عهد لكم عندي ولا ذمّة ويقع الحرب بيني وبينكم، فامتنعوا من بذل الأثمان ولجّوا في طغيانهم يعمهون، فقطع ما بينه وبينهم من العهد والذّمّة وأمر بحربهم، فجهزوا مراكبهم وجاؤوا يلتمسون الصّلح وبذل بعض المال وترك الباقي، فأبى عليهم إلاّ ببذل الجميع، فنشأت من ذلك حروب


(٤٧) في الأصول: «فدعى».
(٤٨) عن قصّة المركبين أنظر:
Alphonse Rousseau, Les annales tunisiennes,٢e edition, Tunis ١٩٨٠, pp. ١٩٧ - ٢٠٢
نقلا عن وثائق القنصلية الهولندية بتونس وأنظر الإتحاف ٣/ ٢٠.
(٤٩) في الأصول: «مشحونة».
(٥٠) في الأصول: «بثمنها».
(٥١) في الأصول: «الثانية».
(٥٢) في الأصول: «الأولى والثانية».