للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبعض للوزن لتعيين موضع الرّمي، والبعض لوضع النّار وغير ذلك، فما يفرغ المدفع إلاّ وداروا به كلّ من له عمل إستقبله، فأظهر الكفّار غاية طاقتهم ومجهودهم ظنّا أنّ ذلك يجديهم نفعا وحسبوا أنّهم يرهبون المسلمين بذلك، فخيّب الله أمل الكفر وكذّب ظنّهم، فما ازداد المؤمنون إلاّ نشاطا وجدّا واجتهادا، وأنزل الله عليهم النّصر وأفرغ عليهم الصّبر، وجعل المسلمون يتلقّون ما يرميه الكفّار من الكور فيلتقطه الأطفال والمتجالات ويجعلونه في المدافع ويرمون به الكفّار، فسقط عندهم (٧٣) البعض من ذلك، فسقط في أيديهم ورأوا أنّهم قد ضلّوا فكان ما يرمونه وبالا عليهم، وكلّما رموا بونبة وسقطت صحيحة (٧٤) أخذها المسلمون وأفرغوا ما فيها من البارود، وصار المسلمون يرتقبون ما يسقط صحيحا يغتنمونه. والحاصل لمّا حاربوهم أوّل يوم ورأوا حربهم إستخفّوا بهم واستهانوا (٧٥) أمرهم، فمات من الكفّار شيء كثير، وعطب منهم شيء كثير، ولم يقتل في هذا اليوم / من المسلمين إلاّ ثلاثة: أبو عبد الله محمّد الشّهيد إبن الشّهيد المجاهد في سبيل الله حمّودة السّلاّمي، كان ممّن سبّل نفسه على الجهاد في سبيل الله، إنكسر عليه مدفع حديد في برج الرّبض، والثّاني أبو عبد الله محمّد بن (٧٦) أحمد بن حسين مساعد أصابته كورة في جوفه بالإسقالة فاستشهد من ساعته، وضرب إثنان كلّ واحد بكورة في فخذه ورفع حيّا، ثمّ استشهد بعد أيام أبو العباس أحمد بن عبد اللطيف المصمودي، كان مارّا بالإسقالة فأصابته الكورة، وأبو عبد الله محمّد بن حمّودة القرمازي، أصابته كورة في برج النّار، وأمّا بعد ذلك فما أصاب أحد من المسلمين شيء إلاّ محمّد الجلباني (٧٧) أصابته كورة في برج الربض برأسه فاستشهد من ساعته، ولم يوجب قتل من قتل فزعا ولا رعبا بل استبشر المسلمون بذلك، وتلقوا أهلهم بالتّهنئة بنيل درجة الشّهادة، وسارعوا لدفنهم وحملوهم على أعناقهم بل فوق رؤوسهم متبرّكين بحملهم - رحمة الله عليهم واحشرنا يا ربّنا معهم في زمرة الشّهداء والصّالحين -.

ولمّا رأى الكفّار الذين نزلوا في الأنشولات ما حلّ بهم من المسلمين، وكلّما حاولوا القرب من المسلمين نزل عليهم عذاب الدّنيا {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى} (٧٨) وضرب رئيسهم (٧٩) الذي يدبّر أمرهم في وجهه، وزال بغضه وانقطعت أطماع الكفّار، وعظم


(٧٣) في ط: «عنهم».
(٧٤) كاملة دون أن تتفرقع.
(٧٥) في ط وش: «استهان».
(٧٦) ساقطة من ط وب وت.
(٧٧) في ط: «الجيلاني».
(٧٨) سورة طه: ١٢٧.
(٧٩) في ش: «رايسهم».