للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ترجمة الشّيخ أبي يحيى زكرياء إبن الضابط:

ومن تلاميذ الإمام اللّخمي الشّيخ أبو يحيى زكرياء بن الضابط، كان مفتيا بصفاقس بعد الإمام اللخمي معاصر للإمام المازري، قتله النّصارى (٢٨٥) - دمّرهم الله -، لمّا تملّكوا المهدية وسوسة وسائر بلاد الساحل إلى (٢٨٦) طرابلس، دخلوا عليه فوجدوا بيده مصحفا يقرأ فيه فقتلوه، وقتلوا جماعة من الفقهاء - وإنّا لله وإنّا إليه راجعون - اهـ‍ بالمعنى من كتاب جامع مسائل الأحكام (٢٨٧).

وكان - رحمه الله تعالى - يفتي بأن الجهل بالأحكام، وما توجبه السنة عذر مقبول على الصحيح فيما سوى الحدود، ومما نقل بالسّماع الشائع أنه - رحمه الله تعالى - لما تملك النصارى البلاد طلبوا من الناس الزيت، فضاق ذرع الناس فقال لهم الشّيخ: لا بأس عليكم، مروا النصارى باحضار مراكبهم وأوعيتهم، فلما أحضروا ذلك أمر من يملأ الماء ويناوله فيعطيه لمن يكيله بحضرة النّصارى فاذا هو من أطيب الزّيت وأعلاه، فملؤوا أوعيتهم وشحنوا مراكبهم وسافروا لبلادهم، فلما وصلوا بلادهم (٢٨٨) فتحوه فوجدوه ماء فرجعوا به فقالوا: هذا ماء، فقال: بل زيت، ففتحوه فاذا هو زيت، فرجعوا إلى بلادهم فوجدوه ماء، فصاروا كلما فتحوه بصفاقس وجدوه زيتا، وكلما فتحوه ببلادهم وجدوه ماء، فلعل ذلك كان سبب قتله وقتل جماعته / لينال رتبة الشهادة.

واستيلاء الكفار قد تقدم أنه كان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة (٢٨٩)، فهو تاريخ وفاة الشّيخ أو بعده بيسير، وضريحه بداخل صفاقس برأس زقاق الذهب (٢٩٠) منها من جهة جنوبيه، وهو مشهور مزار متبرك به.

واستيلاء الكفرة (٢٩١) على ما تقدم من البلاد هو سبب إنقطاع الفقهاء المجتهدين من إفريقية لا سيما وقد استولى عليها مفسدو الأعراب.


(٢٨٥) يقصد النرمان.
(٢٨٦) في ش: «الا».
(٢٨٧) تمام إسمه، «فيما نزل بالمفتيين والحكام لأبي القاسم البرزلي القيرواني». (ت.٨٤١/ ١٤٣٨).
(٢٨٨) أي صقلية.
(٢٨٩) ١١٤٨ - ١١٤٩ م.
(٢٩٠) هذه الحومة (الحارة) وتعرف اليوم بهذا الإسم وتقع غربي المدينة.
(٢٩١) في ط: «الكفار».