للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشغولا بربّه أدركه المقت في الوقت، وكان يقول: من شرط العارف أن يتحكم فيما بين العرش والثرى.

وكان الحق تعالى أذلّ له الوحوش فإذا رآه الوحش ارتعد من هيبته، ومرّ يوما على حمار والسّبع قد أكل نصفه، وصاحب الحمار ينظر إليه من بعيد لا يستطيع أن يقرب منه، فقال لصاحب الحمار: تعال (٣٤٥)، فذهب به إلى الأسد وقال له: أمسك بأذنه واستعمله مكان حمارك حتى يموت، فأخذ بأذنه فركبه وصار يستعمله سنين مكان حماره حتى مات الأسد.

وفي طبقات المناوي نقلا عن إبن عربي: ان الشّيخ أبا مدين كان يقول: من علامة صدق المريد في إرادته فراره عن الخلق، ومن علامة صدق فراره عنهم وجوده للحق، ومن علامة صدق وجوده للحق رجوعه للخلق، وهذا هو حال الوارث للنبيء صلّى الله عليه وسلم فإنّه كان يخلو بغار حراء وينقطع إلى الله فيه ويترك بيته وأهله ويفرّ إلى ربه حتّى فاجأه (٣٤٦) / الحقّ فبعثه الله رسولا مرشدا لعباده، فهذه حالات ثلاث ورثه فيها من اعتنى الله به من أمته، ومثله يسمى وارثا، فالوارث الكامل من ورثه علما وعملا وحالا.

ورأى بعض الأولياء إبليس فقال: كيف حالك مع أبي مدين؟ فقال: ما شبّهت نفسي فيما نلقي إليه (في قلبه) (٣٤٧) إلاّ كشخص بال في البحر المحيط فقيل له: لم تبول فيه؟ قال: حتّى أنجسه فلا تقع به الطّهارة، فهل رأيتم أجهل من هذا؟ فكذا أنا وقلب أبي مدين، كلما ألقيت فيه أمرا قلب عينه، وقال الخواص: كان مذهب الشّيخ تقريب الطّريق على المريدين ونقلهم إلى محلّ الفتح من غير أن يمرّ بهم على الملكوت.

ووقع له في سياحته أنّه دخل على عجوز في مغارة فأقام عندها، فجاء إبنها آخر النّهار فسلّم عليه، فقدّمت العجوز سفرة فيها صحن وخبز، فقعد الشّيخ والإبن يأكلان فقال: تمنّيت أن لو كان هذا كذا، فقال له: سمّ الله وكل ما تمنّيت، فلم يزل يعدّد الفتى وهو يقول مقالته الأولى واللون الواحد ينقلب ألوانا كثيرة، ويجد طعم (٣٤٨) ما تمنّى.

وكان إذا خطر له خاطر في نفسه وجد جوابه مكتوبا في ثوبه الذي عليه، فخطر


(٣٤٥) في الأصول: «تعالى».
(٣٤٦) في الأصول: «فجاه».
(٣٤٧) ساقطة من ش.
(٣٤٨) ساقطة من ط.