للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال له: يا سيدي، نجمع بين الحالين، يحضر عدول القاضي وخواص أصحابكم، فعندكم أنتم إنما انعقد النّكاح بالخواص من أصحابكم، وعند القاضي إنما انعقد بعدوله فوافقه على ذلك بعد توقّف، ولو تمادى - رحمه الله - على تمنّعه لنفذ ذلك.

وكان - رحمه الله - لا يرى وجه السّلطان ولا قائد ولا قاض لما يسمع عن القضاة من أخذهم مرتّبهم من القيّاد، وغير ذلك.

ولمّا وصل أبو يحيى أبو بكر أمير إفريقية القيروان بمحلّته ووصل إليه الشّيخ أبو محمّد الرّمّاح والنّاس فقال: هل في القيروان من يزار؟ فقالوا له: الشّيخ العبيدلي، فهمّ بالمشي إليه، فقيل له: إنّه لا يفتح لك الباب ولا ينظر إليك، فعمل على الإجتماع به ليلا، فأتى هو وقائده إبن سيّد النّاس، ومحمّد بن عبد الحكيم، فدقّ الباب فقالت امرأة من خلف الباب: من هذا؟ فقال لها: قولي للشّيخ إنّ أميرك بالباب ينتظرك، فلم يخرج له، فتعوّذ وقرأ بلسان عال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (٤٧٥) فأجابه الشّيخ وكان يصلّي بلسان عال حتّى سمعناه (٤٧٦) {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ} (٤٧٧)، ولم يخرج له، فقال: لا بدّ لي / من رؤيته، فقيل له: إنّك لا تراه إلاّ يوم الجمعة لخروجه للصّلاة، فوقف في مكان، فلمّا رآه ترجّل عن جواده وانفتل الشّيخ بوجهه إلى حائط السّور ولم ينظر إليه، فقال له: يا سيّدي أحبّ منك أن تدعو لي، فقال له: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «اللهم من ولي أمرا من أمور أمّتي فشقّ عليهم فاشقق اللهم به، ومن ولّي أمرا من أمور أمّتي فرفق بهم فارفق اللهم به» (٤٧٨)، فركب ولم يوله وجهه، وحضر لمشهد هذا اليوم الشّيخ الصّالح العدل أبو العبّاس أحمد إبن الشّيخ العدل المؤلّف أبي عبد الله محمّد بن عثمان بن غانم الحضرمي، فقال في نفسه:

هذا رجل بدوي أنظر كيف أعطاه الله ولم ينظر للسّلطان وجها، ونحن أصحاب طريقة وزوايا، عرفنا السّلطان وأخذنا مرتّبه، وتملّقنا له ولا يليق بنا ذلك، فرجع إلى داره وانقطع عن السّلطان وغيره، ولزم المحراب حتّى مات - رحمه الله تعالى -.

ولمّا دخل السّلطان أبو الحسن (٤٧٩) القيروان قال الشّيخ العبيدلي للشّيخ الرمّاح:


(٤٧٥) سورة النّساء: ٥٩.
(٤٧٦) في ش وب: «سمعاه»، وفي ط: «سمعه».
(٤٧٧) سورة الحج: ٤١.
(٤٧٨) رواه مسلم عن عائشة.
(٤٧٩) المريني.