للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

داره، فمن ثمّ سمّي بأبي عكّازين الرقيق، وتنوسي إسم محمد.

وممّا شاع عند أهل قرية نقّطة أنّ أحفاد الشّيخ لمّا نزلوا نقّطة على شاطئ البحر وسكنوا بها، وعمرت بهم القرية، رآهم النّصارى فهيّؤوا لهم عمارة ثلاثين مركبا وهجموا عليهم ليلا وقاتلوهم قتالا شديدا حتّى مات الرّجال وهم ستّون، وسبي الحريم، فمن جملة الحريم المسبي إمرأة من أحفاد الشّيخ فأوثقوها وأوثقوا عبدها كتافا، فلمّا أراد الكفّار إدخالهم إلى المركب صاحت بعبدها فقال لها: أنا موثوق بالقياد فلا حيلة عندي، فقالت: اجذب يديك ينقطع القياد، ففعل، فانقطع القياد، ثمّ تقدّم لأوّل كافر / فاحتمله وضرب به الأرض، وأخذ سلاحه، وضربت البنت طبلا فسمعه من أراد الله سعادته، ففزع (٦٦٠) النّاس وبلغ صوته لبعض الصّالحين بأرض السّواسي، فأتى في الحين على جواده ومعه سلوقية (٦٦١) فأعان الله المسلمين، وقتلوا الكفّار أشدّ قتلة، ولم يفلت منهم إلاّ من بقي في السّفن، فأقلعوا لمّا أيسوا من رجالهم، ثمّ بعد ذلك أرادوا نقل الشّهداء لمقبرة الشّيخ بالمسعودة، فلم يكن عندهم ظهر للحمل غير ذلك الجواد الذي قدم عليه الرّجل الصّالح من أرض السواسي، فذهب منهم جماعة للحفر والدّفن، وبقي جماعة للتّحميل على الفرس، قيل إنّ الفرس يذهب بنفسه من غير سائق ولا قائد ويرجع كذلك، فكلّما أوصل جانبا رجع، فما فرغوا من الدّفن إلاّ وأتى بجانب إلى أن فرغوا، وكان من جملة القتلى (٦٦٢) صاحب الجواد فدفن مع جملة القتلى، وماتت الفرس والسلوقية (٦٦١) فدفنا معهم.

ومن خاصية تربة هذا الشّيخ أبي عكّازين المشهورة الشّائعة إلى الآن أن من كان من نسله إذا دفنوه قبلته الأرض، ومن كان من غير نسله يصبح منبوذا، حتّى قيل إنّه جاء بعض الصّالحين زائرا فمات ولده فدفنه معهم، فرأى في النّوم قائلا: أنقله، فأبى، فأعيد عليه فأبى، فأصبح مطروحا بأرض قابس، فبعدها لم يتجاسر أحد على الدّفن من غير نسل الشّيخ.

ولم نقف للشّيخ على تاريخ وفاة إلاّ إنّه وجد على قبر من قبور أحفاده: هذا ضريح


(٦٦٠) أي أنجدهم.
(٦٦١) السلوقي هو الكلب المنسوب إلى سلوق وهي قرية باليمن تنسب إليها الكلاب الجياد السريعة العدو والضامرة البطن.
(٦٦٢) في الأصول: «القتلا».