للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل كان عبدا لرجل من أهل صفاقس صنعته عمل القطن، وكان يتركه بالليل يشتغل فيصبح كلّ يوم ويأتيه فيجده قد استوفى جميع ما يبقي عنده قلّ أو كثر، ثم إنّه دعته حاجة في بعض الليالي فأتى للمحلّ الذي يشتغل فيه فلم يجده، وارتقبه أكثر الليل فلم يأت، فلمّا أصبح وجده قد استوفى عمل جميع ما عنده من القطن، ففطن له وعلم أنّ له عناية من الله تعالى فرصده ليلة من الليالي فوجده سائرا في سكّة من البلد، فتبعه من حيث لا يشعر به، فما زال سائرا حتّى انتهى لسور البلد، فنزل منه، فتبعه وسار خلفه، فما زال سائرا حتّى وصل إلى برج قزل (٦٦٧) فشرع في الصّلاة ولم يزل كذلك حتّى طلع الفجر فرجع وطلع من حيث نزل، فعند ذلك نجز عنه (٦٦٨)، فلمّا علم أنّ سيده اطّلع على سرّه وأفشاه اعتزل عن النّاس، فظهرت كراماته وبلغ خبره السّلطان / فطلبه فاختفى ولم يظهر، فوجد بعد زمان ميّتا مغسّلا مكفّنا في المكان الذي وجده سيّده يصلّي فيه عند برج قزل، فدفنوه فيه.

ولم نعرف له زمانا، وهو أسبق من الشّيخ أبي بغيلة لأنّه تقدّم أنّه لمّا مرّ على ضريحه أعطاه الشّياه - حسبما مرّ -.

ومن كراماته المشاهدة بالعين في عصرنا أنّ بعض صيادي (٦٦٩) السّمك تبعوا غلاما وقصدوه بالفاحشة فامتنع منهم وفرّ منهم هاربا حتّى دخل ضريح الشّيخ فتبعوه، وكانوا ثلاثة، فلمّا ضايقوه دخل تحت التّابوت الذي على القبر فتغلّبوا عليه وأخرجوه كرها، فكسر ظهور الثلاثة، فأمّا أحدهم فإنه خرجت روحه حالا، وأما الثّاني فزاد مدة قليلة وجعل يقذف الدم والقيح حتّى مات، وأمّا الثالث فطالت مدّته مكسور الظّهر ثمّ مات، وكلّ من انتهك حرمته وقع به عطب لا يسلم منه، وهذا شيء كثير، ومع هذا يأتيه الزّوّار فيظهرون من أنواع اللعب بجميع أنواع الملاهي والمفرحات فلا يصيبهم سوء ما لم يصدر منهم ما يؤذن (٦٧٠) بانتهاك حرمات الشريعة، فمن فعل شيئا فلا يسلم، ولكنّ الناس لا يقدرون ولا يقدمون على فعل شيء من ذلك احتراما وخوفا من تعجيل العقوبة.


(٦٦٧) بالقاف المعقدة كالجيم المصرية وبعدها زاي مفتوحة يقع على بعد ١١ كلم في شرقي مدينة صفاقس على الطريق المعروف الآن بثنية سيدي منصور حيث الآن مقام سيدي منصور الغلام، وبعض الوثائق تسمّيه برج كرك وبقاياه قائمة وتعرف بالنّاظور، وحول الضّريح الآن بساتين مشجرة وقرية سيدي منصور.
(٦٦٨) في بقية الأصول: «انجزعت».
(٦٦٩) في الأصول: «صيادين السمك».
(٦٧٠) في ش: «يؤذون».