للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسي. وهذا المقام فيه نظر وتفصيل؛ ذلك أنه - رحمه الله - ذكر في آخركتاب النبوات: أن أولياء الله لا يستخدمون الجن إلا بما فعله معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أمرهم، ونهاهم، أي: بالأوامر، والنواهي الشرعية، أما طلب خدمتهم وطلب إعانتهم: فإنه ليس من سجايا أولياء الله، ولا من أفعالهم قال: مع أنه قد تنفع الجن الإنس، وقد تقدم له بعض الخدمة ونحو ذلك، وهذا صحيح من حيث الواقع.

فالحاصل أن المقام فيه تفصيل: فإذا كان الاستخدام بطلب الخدمة من الجني المسلم، فهذا وسيلة إلى الشرك، ولا يجوز أن يعالج عند أحد يعرف منه أنه يستخدم الجن المسلمين. وإذا كانت الجن تخدم بعض الناس بدون طلبه، فإن هذا قد يحصل، لكن لم يكن هذا من خلق أولياء الله، ولا مماسخره الله - جل وعلا - لخاصة عباده، فلا يسلم من هذا حاله من نوع خلل جعلت الجن تكثر من خدمته، وإخباره بالأمور، ونحو ذلك.

فالحاصل: أن هذه الخدمة إذا كانت بطلب منه، فإنها لاتجوز، وهي نوع من أنواع المحرمات؛ لأنها نوع استمتاع، وإذا كانت بغير طلبٍ منه فينبغي له أن يستعيذ بالله من الشياطين ويستعيذ بالله من شر مردة الجن؛ لأنه قد يؤدي قبول خبرهم، واعتماده، إلى حصول الأنس بهم، وقد يقوده ذلك الاستخدام إلى التوسل بهم والتوجه إليهم - والعياذ بالله - فإذا تبين ذلك: فإن خبر الجن عند أهل العلم ضعيف، لايجوز الاحتجاج به عند أهل الحديث، وذكر ذلك أيضاً الفقهاء. وهذا صحيح؛ لأن البناء على الخبر وقبوله: هو فرعٌ عن تعديل المخبر، والجني غائب، وعدالته غير معروفة، وغير معلومة عند السامع، فإذا بنى الخبر عمَّن جاءه به من الجن وهو لم يرهم، ولم يتحقق عدالتهم إلا بما سمع من خطابهم

<<  <   >  >>