للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حياتي قط، بل كنت أبيّن الذي أعتقده جهراً من فوق المنابر أو علناً على صفحات الجرائد. فكثر أعدائي، ولم تكن القوى متكافئة فما عندي إلاّ لسان وقلم، وماذا يصنع القلم واللسان أمام الكثرة والقوّة والمال والسلطان؟ وما كان لي مورد إلاّ هذا الراتب (وهو ستّ وثلاثون ليرة سورية في الشهر) أعيش به أنا وإخوتي.

وأباني المديرون، فلم يعد واحدٌ منهم يقبل أن أكون معلّماً عنده (ولكنه لا يجاهرني خوفاً مني؛ لا تعجبوا، فلقد كان الناس -من قديم- يخشون الشعراء) اللهمّ إلاّ الأستاذ عبد الغني الباجقني، ولي في مدرسته حديث ربما عدت إليه.

وكان لي مع ذلك أنصار، أُشير إليهم وسأعود للحديث عنهم: جمعية الهداية الإسلامية ومَن فيها من العلماء والتجّار، وجماعة من الوجهاء ممّن لهم في البلد منزلة مرفوعة وكلمة مسموعة، وطائفة من الشبّان بقوا معي ما فارقوني بعد أن فارقت أنا لجنة الطلبة (اتحاد الطلبة) ولم أعُد رئيسها، منهم سعيد الجزائري الذي صار ضابطاً كبيراً وكان له دور بارز لا أعرف تفصيله في القضاء على حسني الزعيم، ثم ذهب شهيداً في برلين. وأنور العش. وصبحي النبهان، التاجر الكبير المكافح الذي توالت عليه النكبات، وكلّما أصابته نكبة عاد يبدأ من جديد، احترق مخزنه في العَصرونية لمّا ضُرِبَت دمشق بالقنابل سنة ١٩٤٠ وكان في صندوقه مئة ألف. تصوّروا كم تعدل اليوم؟ وذهب من سنتين صاروخ بمعرضه الفخم في بيروت فذهب معه عشرة ملايين ليرة لبنانية. ولا يزال مع ذلك مكافحاً عاملاً، والله يوفّق كلّ عامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>