للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الشريف الرضي:

وقائلةٍ في الرّكْبِ: ما أنت مُشتهٍ؟ ... غداةَ جزَعنا الرمْلَ، قلتُ: أعودُ

وهيهات! فلا الماضي يرجع ولا الشباب يعود، ولا مَن جعل الله أمرَ الناس في يديه يتركني أكحّل العين برؤية بلدي قبل الممات.

* * *

كنت أجلس في دار العلوم في الأعظمية كلّ مساء بإذن من المدير، في هذا الصحن المشرق تظلّلنا الأشجار قد أثقلتها ثمارُها، وتحفّ بنا الأزهار قد ملأت صدورَنا عطورُها، ومن فوقنا زقزقة العصافير كأنها موسيقى بارعة ما وضعت أنغامَها عبقرية إنسان.

وكان الفرّاش يُعِدّ الشاي، وكان الباب مفتوحاً، فليس تخلو عشيّة من أساتذة كرام يزوروننا أو طائفة من الطلاّب يجيئون إلينا أو جماعة من الجيران. نبقى بين أحاديث تدور: أحاديث في العلم وفي الأدب، ومناظرات تتخلّلها مراجعات في الكتب (وفي المدرسة مكتبة كبيرة فيها كتب قيّمة) حتى نسمع داعي الله للصلاة، فندخل المسجد من باب بينه وبين المدرسة فنصلّي.

ما رأيت في هذا المجلس منغّصاً إلاّ مرّة واحدة؛ كنت فيها وحدي فدخل عليّ رجل ثقيل لا أعرفه وقال: كم تأخذ راتباً؟ قلت: لماذا تسأل؟ قال: أنتم الغرباء تأخذون أموالنا و «تُقَشْمرونا». أفليس من حقّي أن أسأل وأنا من أهل البلد ومن أصحاب المال؟

<<  <  ج: ص:  >  >>