للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد كانت سيرته في الكلّية حسنة وهو طالب، وكذلك حسنت سيرته وهو مفتي الجمهورية.

وكان الطلاّب يحفظون بيتاً، لا أدري عمّن تلقّوه (١):

فلا تَكتُبْ بخطِّكَ غيرَ شيءٍ ... يَسرُّكَ في القيامةِ أن تراهُ

وأظنّ اليوم أن كثيراً منهم لن يسرّهم يوم القيامة أكثرُ ما كتبوه بعدما صاروا عند الناس كُتّاباً وأدباء.

* * *

كنت أقضي ثلثَي الأسبوع في بيروت وثلثه في دمشق، فكنت زبوناً دائماً لسيارات الأجرة. وقد وجدت عند سماسرتها من أساليب الكذب ما يملأ -لو كتبته- صفحات كثيرات؛ منها أنهم يُقعِدون في السيارة اثنين منهم أو ثلاثة ويقولون لك: لا ينقصنا إلاّ راكب واحد لنمشي، فادخل. فإذا دخلت خرج أحد هؤلاء انسلالاً، فتقول له: إلى أين يا أخانا؟ فيقول: أشرب ماء أو أشتري أو ... وما أكثر ما يأتي بعد أو! ثم يتبين أنه ليس بين الركّاب إلاّ أنت وحدك.

وكنت أصحب الطلاّب، مَن شاء منهم المشي، فنصعد الجبال ونَرِدُ العيون ونزور الآثار مشياً على الأقدام. وكان أقرب الأمكنة التي نمشي إليها الناعمة والدّامور من الجنوب، ومن الشمال إلى أنطلياس.


(١) البيت لأمين الجندي، وقبله:
وما مِن كاتبٍ إلاّ سيَفنى ... ويُبقي الدهرُ ما كتبَت يداهُ
(مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>