للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يدير المستشفى راهبات. رئيسة القسم الذي كنت فيه راهبة اسمها سورماري، أي الأخت مريم، وكانت شديدة عنيفة ولا سيما على الممرّضة التي اسمها تيريز، ولعلّها في أعماقها تتأثّر لقبحها من جمال هذه الممرّضة ولغلظتها من لطفها. ويبدو أنها قد عضّت أصابع الندم على أنها قَبِلَتني في قسمها، بل لقد ندم القائمون على المستشفى على قبولي؛ ذلك لأن غرفتي صارت مثابة للزائرين، وأكثرهم من المشايخ. حوّلوا المستشفى إلى مجمع علمي أو إلى مسجد؛ فكانت المناقشات تدور النهار كله وزُلَفاً من الليل، وإذا دخل وقت الصلاة مدّوا مناديلهم وصلّوا جماعة يؤمّهم واحدٌ منهم. وكان شيخنا المبارك (رحمه الله ورحم الجميع) له صوت لو جمعتَ عشرة أصوات من أقواها وأشدّها وحزمتها وجعلتها صوتاً واحداً لكانت دون صوت الشيخ. كان يتحدث مرّة، فأسرعت سورماري محتجّة تحتجّ بعبارات ثلثها عربي ونصفها فرنسي، والباقي صار من الانفعال خليطاً عجيباً لا يُفهَم له معنى. وكان يعرف كلمات من الفرنسية ففهم قصدها وقال: نعم، نعم، المستشفى يحتاج إلى الهدوء. فكان اعتذاره إليها مبعثاً جديداً لسخطها لجهارة صوته.

وكان الحقّ في هذه معها، ولكن ما لا حقّ لها فيه، والذي دلّ على نقص في عقلها وعقل العاملات معها وأنه ليس في رؤوسهن دماغ كالذي في رؤوس الناس، بل هو فارغ، أحسب أنك إن نقرت جانبه بإصبعك رنّ رنين الإناء الخالي: كنت ليلةً متألماً فقرعت الجرس أستدعي ممرضة الليل، وكانت غليظة سمجة بشعة تزيد ببشاعتها مرض المريض، وكانت فوق ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>