للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل هذا لا أدريه، ولكن الذي أدريه وأثق به أنه صنع في شهوره الأخيرة ما قرّبه من شعبه وحبّبه إليهم، ودلّ على أنه بدأ يخرج على إرادة مستعمري بلاده وعلى وكلائهم في هذه البلاد. ولكلّ مستعمر (مع الأسف) ولكلّ عدوّ لنا وكلاء منّا يعيشون بيننا، نقول هذا والأسى يملأ قلوبنا. لقد ربّاه الإنكليز، ولكنه أراد أن يكون لهم كما كان موسى عليه السلام لفرعون عليه اللعنة، فلما أحسّوا منه ذلك قتلوه.

لقد طبعت سنة ١٣٨٠ الدفعة الثانية من كتبي، وكان فيها كتاب سَمّيته «بغداد»، أودعته هذه المرثيّة لغازي (١) فمنعته حكومة العراق يومئذ من دخول العراق وصادرَت ما وصلَت إليه من نسخه. لا تسألوني لماذا. أنا لا أدري لماذا!

ولو كان غازي يومئذ حياً لأرجف قوم فقالوا إني أتزلف إليه، ولو كان له وارث لقالوا إني أتقرّب من وارثه. ولكني نشرت الكتاب بعدما مات غازي وابن غازي، وخلت لأرض من كل وارث أو وليّ لغازي. فماذا تظنون أني أقصد بالثناء عليه بعد موته؟

وهل ماتت المروءات، وخلت الدنيا من الوفاء حتّى صار من يذكر ميتاً بخير يُضطرّ إلى أن يدافع عن نفسه؟ وهل فسد الناس حتّى ما يَمدح مادحٌ حاكماً من الحكّام إلاّ لجلب مصلحة ولا ينقده أو يذمّه إلاّ قصد انتقام؟ لقد عرفتم أني هجوت الشاعر الأديب شفيق جبري يوم كان أستاذي في كلية الآداب سنة ١٩٣١ وكان رئيسي وأنا موظف في وزارة المعارف، يوم كان المتزلّفون


(١) انظر مقالة «يا غازي عليك رحمة الله» في كتاب «بغداد» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>