للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووسائلها قليلة، فكنت أنزل من داري في الجادة السادسة إلى حيث يمشي الترام في الجادة الأولى فأنتظره حتّى يجيء، وأزاحم أو أطلب أول الخطّ قبل أن يمتلئ لأجد لي مكاناً، فإذا وصلت إلى ساحة المرجة أكون قد أضعت أكثر من نصف ساعة، ثم أنتظر نحواً من نصف ساعة حتّى يصل ترام دوما، فأشقّ الزحام أو أجد بعض الإخوة الكرام فيفتحوا لي الطريق حتّى آخذ مكاني فيه، فأصل دوما بعد ساعتين كاملتين من خروجي من داري!

يخترق دوما من وسطها شارعٌ طويل عريض يصل ما بين مشرقها ومغربها، تتفرع عنه شوارع قليلة وحارات ضيّقة كثيرة. وقد بنوا في غربيها قصراً للحكومة جديداً واسعاً من طبقتين، في زاويتَيه ركنان بارزان. وكانت المحكمة الشرعية في أحد الركنَين، تتألّف من بهو كبير وأمامه غرفة صغيرة، ففي البهو قوس المحاكمة الذي يقعد في وسطه القاضي، وعن يساره كاتب الضبط، وأمامه مكتبان وكرسيان للمدّعي والمدّعى عليه. ووجدت أن من كان قبلي يبقى قاعداً على القوس نهاره كله، فإذا جاء المراجعون صعدوا إليه أو وقفوا تحته فكلّمهم من فوق. والقوس إنما بُني ليقعد عليه القاضي وقت المحاكمة فقط، فإن انتهت ذهب إلى غرفته.

ولم تكن لي غرفة أذهب إليها فحِرت ماذا أصنع، ورجعت إلى وزارة العدل فلم أجد عندها استعداداً لعمل شيء. فخطر لي خاطر غريب لعلّ القرّاء الآن بعد ثلاث وأربعين سنة (١) يَعجَبون


(١) كُتب هذا الفصل سنة ١٤٠٤هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>