للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها يا رجل. ومشى القاضي في طريقه، فلحقَته المرأة تصيح: كم يُعطيني في اليوم؟ قال: ربع مجيدي.

ومرّت أيام طويلة ونسي الشيخ القصّة كلها، فجاءه نَوَري ومعه امرأته وقال: يا سيدي اصطلحنا، ارفع النفقة عني. قال القاضي: أيّ نفقة؟ قال: النفقة التي فرضتَها عليّ، أنا والله لا أقدر عليها والمرأة في بيتي. فسأل المرأة فقالت: صحيح يا سيدَنا القاضي. قال القاضي: لقد رفعتها عنك. فانصرف الرجل وهو يشكره والمرأة وهي تدعو له.

هذا والقوم نَوَر، وهم يُعَدّون من أحطّ طبقات البشر، ولكن فيهم فطرة الخير التي فطر الله النفوس عليها، لم تُفسِدها أوضاع المجتمع ولا أوضار الحضارة. فما بالنا نرى أقواماً هم في الذروة والسنام عِلماً وجاهاً وغِنى ثم لا يُؤَدّون الذي عليهم ولا يكتفون بالذي لهم، ولا يزالون يلجّون في الخصام ويغرقون في النزاع، وكلّما مالت المحكمة إلى الفصل فتحوا أبواباً للتأجيل، حتّى صارت تتصرّم السنون وتنقضي الأعمار ولا تنتهي الدعوى، وحتى كان بين أسرتنا وأسرة الصلاحي في دمشق دعوى لبثَت في المحكمة ثلاثاً وثمانين سنة! مات الذي أقامها ومات ولده، وقام بها مَن لا يدري منشأها ولا يعرف حقيقتها، ولا يسرّه الظفر فيها ولا تؤذيه خسارتها.

مع أن القضاء لا يحلو في نفس ذي الحقّ ولا ينجح في ردع ذي الباطل إلاّ إذا كان سريعاً مع الصواب مصيباً مع السرعة، يجيء والخصومة حامية فيرفع ألم المظلوم ويمنع أذى الظالم. وكذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>