للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بزهر الربيع، ولا كانت الحياة.

وفي فصل «القبر التائه» من كتاب «صور وخواطر» هذا المقطع عن لبنان:

لبنان الذي كان يوماً دار الأولياء والشعراء والسيّاح والزهّاد، من كل عابد متبتّل ومحبّ هائم وتائب أوّاب. لبنان الذي جعل الله ماءه خمراً وجمالَه سحراً، فلا تدري أهو السحر قد خَيّل لك أنك في جنّة الخلد أم هو السُّكْر قد جعلك تحسّ التخلّص من هذا العالَم الغارق في الدم الملتحف باللهَب (نُشر هذا الفصل سنة ١٩٤٠ في شدّة وحدّة الحرب العالَمية الثانية).

لبنان الذي لا تدري أي شيء فيه هو أجمل: أذُراه التي تبرقعَت ببراقع الثلج فلم تبصرها عينُ حيّ من يوم خلق الله العالَم، فعزّ بالحجاب جمالها حين ذلّ بالسفور الجمال، أم سفوحه الحالِيَة بالصنوبر، أم القرى المنثورة على تلك السفوح، أم ينابيعه المتفجّرة تفجّر الحكمة على لسان نبيّ، أم أوديته الملتوية التواء الفكرة في رأس أديب لا يملك البيان عنها؟

وأيّه هو أبهى: أصباح بْلُودان أم ظهيرة الشّاغور وحمّانا، أم الأصيل الفاتن في ربا صوفر أم المساء الوادع في خليج جونية، أم مناجاة الملائكة في قمّة جبل الشيخ أم مسامرة الزمان عن «الأرْز» أو في بعلَبَكّ؟ أم أنت تؤثر هذا كله وتتمنّى لو شملته بنظرة منك واحدة ثم ضممته إليك، ثم شددت عليه حتى أفنيته فيك أو فنيت أنت فيه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>